الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 06:05 PM

في صلب الهوية: إعادة تعريف الذات والمرتكزات الثابتة في عالم متغير

في صلب الهوية: إعادة تعريف الذات والمرتكزات الثابتة في عالم متغير

يتساءل باسل علي الخطيب: هل تعرفون ما هي ثالثة الأثافي؟ يشير إلى أن البعض ينتقد الشيخ صالح العلي لعدم موافقته على قرار التقسيم خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وأن هذا البعض لم يعد قليلاً.

هذه المقالة تهدف إلى تصحيح البوصلة، أو بالأحرى، إعادة ضبط إعدادات المصنع. لا تتعلق المقالة بالمنغصات والأحداث والتجاذبات اليومية، ولا بالمخططات والخطط والتوازنات والصراعات المستمرة. بل هي في مستوى أعلى، تمثل جزءًا من الطريق الذي نرسمه تكليفًا وحقًا.

إعمال العقل من أصعب الأعمال، ومصادمته للأحاسيس تزيد الأمر صعوبة. لذلك، فإن إعادة تعريف الهوية وجذب الناس نحو المفاهيم المجردة لربطها بالواقع المهشم ليس بالأمر اليسير. ولكن، كما كانت تفعل جداتنا عندما يحتفظن بقطعة من العجين كخميرة لليوم التالي لصنع الخبز، هذا ما نحرص عليه اليوم.

يجب أن نعي أنه لا يجوز مناقشة أي حدث تاريخي من منظور زماننا ومكاننا، بل يجب مناقشته ومحاكمته من منظور زمانه ومكانه. وأي جماعة تسعى لصياغة هويتها وفق الأحداث المتحولة والمتغيرة، أو وفق ردود الأفعال، ستكون هويتها مشوهة، وستستمر في التوافق مع كل فعل ورد فعل حتى تفقد هويتها وشكلها المحدد، وتدخل مرحلة التيه التي تنتهي بالذوبان أو الانضواء تحت هويات أخرى.

الهوية ليست تابعًا يربط بين متغيرات، بل هي ثابت عددي يدخل أي علاقة بين عدة متغيرات فيضبط إيقاعها ويعيد لها التوازن. الهوية هي ضابط الإيقاع الذي يدير النغمات الموسيقية، سواء كانت صادرة عن آلات شرقية أو غربية، لينتج لحنًا يطرب لسماعه الجميع.

سبق وكتبت مقالاً قلت فيه: سكنا القمم، وحفظنا القيم، وأشجار الزيتون هذه من بقايا تلك النخلة التي هزتها البتول عليها السلام فتساقطت رطبًا جنيًا، قدمناه للعالم رقمًا وحرفًا وكرامة وعزة ومروءة وشهامة وكرمًا. كنت أشير إلى هذه الهوية بهذه الكلمات.

من نحن؟ نحن عرب، بل نحن العرب. العروبة ليست مفهومًا قوميًا، بل هي مفهوم أخلاقي قيمي عابر للاثنيات والقوميات. العربي في فقه اللغة هو من عرف الحق وأنكر الباطل، هو صفة وليست اسمًا، وجذر الكلمة هو فعل (عرَّ)، والذي يعني فصل الصالح عن الطالح. العربي صفة من صفات المؤمن، وقد قال الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله: أنا أعربكم، أي أنا أكثركم نصرةً للحق وإنكارًا للباطل. عدا ذلك كلمة عربي لم تذكر إلا مدحًا في القرآن الكريم. وفعل (عر) أصل كلمة (عربي) يختلف بالمطلق عن الفعل (أعر)، الهمزة عندما تدخل على الفعل في بدايته تقلب المعنى إلى النقيض، فيكون معنى فعل (أعر) إنكار الحق ونصرة الباطل، ومنها أتت كلمة (الأعراب) الأشد نفاقًا، والذين لم يذكروا إلا في موضع الذم.

نحن سوريون، بل نحن السوريون. كلمة سوريا هي نتاج جذرين، الجذر (سير) ويعني (القمة) في اللغة السريانية، والجذر (يا) ويعني (بلاد). وعليه يكون معنى كلمة سوريا بلاد السادة، ونحن هم، السادة أولاد السادة، فليس غريبًا أنه من هذه البلاد خرج الحرف الأول والرقم الأول والنوتة الأولى والديانة الأولى.

نحن مسلمون، بل نحن المسلمون. تمسكنا بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب والأئمة الطهر من بعده لكي لا نضيع محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله، وتلك المدينة لا ندخلها إلا من بابها.

طريقنا طريق عرفاني معرفي أخلاقي يبدأ: وأنذر عشيرتك الأقربين، وينتهي: اليوم أكملت لكم دينكم. هذا الطريق إمامه العقل وكل إشراقاته، وشعاره الآية الكريمة: وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ويستند إلى قول أمير المؤمنين: الناس صنفان، أخ لك في الدين، أو نظير لك في الإنسانية. بوصلته: إقرأ، وغايته: رب أنزلني منزلاً مباركًا وأنت خير المنزلين. نحرم التكفير، وننهى ولا نقبل بالتبشير. نقدم العقل على النقل في مواضع، ونقدم النقل على العقل في مواضع، والنقل هنا حصرًا عن (معصوم). وقبل هذا وذاك، وبعد هذا وذاك، وفوق هذا وذاك: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين. لنا في الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله قدوة حسنة، وأنه لعلى خلق عظيم، وقد أتى ليتمم مكارم الأخلاق رحمة للعالمين، وأن أدب الدين قبل الدين، ومن لا أدب له لا دين له، لا نطلب حقًا بباطل، ونؤمن لسانًا وعملاً وفكرًا أن كل ما خلا الله باطل.

هذا نحن، هذه هي محددات هويتنا، هذه المحددات لا تخضع للتاريخ أو الجغرافيا، بل يخضع لها التاريخ والجغرافيا، هذه المحددات خارج الزمان والمكان، لا تتبدل أو تتغير بتغير الظروف أو تتالي الأحداث. ونقطة على السطر. وإن أردتم أكثر من نقطة.

(أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: