كشفت محاضرة أقيمت في المكتبة الوطنية بدمشق عن خفايا وأسرار الآثار الأموية في حي القيمرية الدمشقي. الباحث التاريخي استعرض خلال المحاضرة تفاصيل مهمة حول الأوابد الأموية في المنطقة.
المحاضرة التي حملت عنوان "حي القيمرية والآثار الأموية الباقية إلى اليوم" شهدت حضوراً لافتاً من المهتمين بتاريخ دمشق وتراثها. واعتمد المحاضر على عرض مرئي يجمع بين الوثائق والصور والخرائط القديمة لتسليط الضوء على الشواهد الأموية الصامدة في أحياء المدينة القديمة.
الجامع الأموي: من الحريق الكبير إلى قبة النسر الحالية
توقف المحاضر عند الجامع الأموي كنموذج لفهم تاريخ الآثار الأموية في دمشق، مستعرضاً حادثة الحريق الكبير عام 1893 الذي ألحق أضراراً بالغة بالجامع، وخاصة "قبة النسر" التي أزيلت وأعيد بناؤها لاحقاً بأسلوب يمزج بين الطراز البيزنطي والدمشقي، بجهود هندسية عثمانية وفرنسية وإيطالية بين عامي 1893 و1901.
حي القيمرية: شواهد على تاريخ عريق
استعرض الباحث المعالم الباقية من العصر الأموي في حي القيمرية، مشيراً إلى أن الحي المعروف بـ"حارة النقاشات" لا يزال يحتفظ بطبقات تاريخية أموية. وأشار إلى وجود ثلاثة أبنية قديمة في الحي، يُعتقد أن أسسها تعود إلى عهد الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان. ومن بين الآثار الأموية في الحي دار سيف (الأموي) التي بناها أبان بن عبد الملك بن مروان، وبيت أخيه مسلمة بن عبد الملك، ودار العباس بن الوليد بن عبد الملك. وتحولت هذه الدار إلى ضريح الشيخ صالح الدسوقي، ولا تزال واجهتها شاهدة على العمارة الأصيلة. كما ذكر الباحث تربة معاوية التي تقع قواعدها تحت مستوى الطريق الحالي، وبيت الشطي القائم فوق سرداب عميق.
المعالم المرتبطة بالنوفرة
تطرق المحاضر إلى مقهى النوفرة الشهير بجوار باب جيرون، والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 250 عاماً، ويستمد اسمه من نافورة الماء التي كانت تتغذى من نهر بانياس. كما ذكر النوفرة المائية الصغيرة التي توقفت في خمسينيات القرن الماضي، وحمام النوفرة التاريخي الذي تحول إلى مركز للثقافة الشعبية ثم إلى مطعم.
دعوة لتوثيق مستدام وحوار حي
أكد الباحث الأرمشي على أهمية تبني منهج علمي يعتمد المقارنة الوثائقية والبصرية للحفاظ على الإرث العمراني لدمشق ونقله للأجيال القادمة، وذلك رداً على سؤال حول سبل توثيق الآثار في دمشق وحماية هوية المدينة.
منهج بصري يعيد الحياة إلى التاريخ
أشار المهندس محمد خيري البارودي إلى ريادة الباحث الأرمشي في اعتماد منهجية "التاريخ البصري المقارن"، التي تتيح تتبع التحولات العمرانية بدقة وكشف تفاصيل لم ترصدها المصادر المكتوبة. وأكد أن الفريق التوثيقي تمكن خلال سبعة أشهر من البحث الميداني من كشف آثار أموية لم تكن معروفة من قبل، وأن الكثير مما يُصنَّف عثمانياً أو مملوكياً يعود في جذوره إلى سياقات أموية لاحقة.
شهدت المحاضرة مداخلات وأسئلة حول وسائل التوثيق وأساليب قراءة الصور القديمة وأثر البحث البصري في حماية الذاكرة الجماعية للمدينة. وتضم دمشق العديد من الآثار الأموية التي طمس أغلبها أو شيد فوقها أبنية، مثل قصر الخضراء، والمدرسة المجاهدية التي بنيت فوق قصر هشام بن عبد الملك، وآثار قصر عبد العزيز بن مروان التي تحولت لاحقاً إلى الخانقاه الشميسصانية.