الإثنين, 18 أغسطس 2025 09:59 PM

لبنان على حافة الهاوية: الفقر المائي المدقع يهدد مستقبل البلاد

لبنان على حافة الهاوية: الفقر المائي المدقع يهدد مستقبل البلاد

حذر الدكتور أحمد الحاج، الأكاديمي والباحث في شؤون المياه والبيئة، من أن لبنان دخل مرحلة الفقر المائي المدقع، مؤكداً أن المشكلة أعمق بكثير من مجرد تقلبات مناخية عابرة. وأشار إلى أن التحليلات حول التغير المناخي وتأثيره على المياه اللبنانية، بالإضافة إلى الإرشادات والنصائح لترشيد الاستهلاك، لا تعكس الصورة الحقيقية.

وأوضح أن تدهور البنية التحتية والاعتماد الكبير على المياه الجوفية أدى إلى اختلاف نسب استهلاك المياه العذبة في لبنان عن المتوسط العالمي. فالزراعة تستهلك 80% من المياه، بينما يستهلك الاستخدام المنزلي 15% والصناعة 5%. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة المياه العالمية، فإن مستوى الفقر المائي يبدأ عند 1000 م3 للفرد سنوياً، وهو الحد الأدنى لتغطية الاحتياجات الأساسية دون إجهاد الموارد المائية.

في عام 2012، وضعت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية استراتيجيتها المائية على أساس 850 م3 للفرد سنوياً، أي أقل من خط الفقر العالمي، وذلك قبل الأخذ في الاعتبار تأثير النزوح السوري. وفي عام 2023، ووفقاً لتقديرات المرصد اللبناني للمياه، انخفضت حصة الفرد السنوية إلى أقل من 500 م3، مما يعني دخول لبنان مرحلة الفقر المائي المدقع.

يشير الميزان المائي إلى أن الأمطار هي المدخل الرئيسي، بينما النتح-تبخر والمياه السطحية والجوفية هي المخرج. ومع التغيرات المناخية الحادة، انخفض معدل المتساقطات من 800 ملم/سنة إلى 600 ملم/سنة (2014، 2018، 2021)، وتراجع الغطاء الثلجي بنحو 40%، مما أدى إلى الذوبان السريع للثلوج وعدم تغذية المياه الجوفية بشكل كاف. ووصلت نسبة النتح-تبخر إلى 60% من مجموع الأمطار، بينما تغذي 30% فقط المياه الجوفية.

من أصل 7 مليارات و107 ملايين م3 من الأمطار، يخسر لبنان 4 مليارات و264 مليون م3 عبر التبخر، ويتبقى 2 مليار و843 مليون م3 كمياه متاحة متجددة، منها 1 مليار و990 مليون م3 من المياه السطحية و 853 مليون م3 لتغذية المياه الجوفية. وعلى الرغم من عدم نجاح سياسة إنشاء السدود في حفظ المياه السطحية، فإن التركيز لا يزال منصباً على المياه الجوفية.

تشير تقارير وزارة الطاقة والمياه إلى وجود 4000 بئر رسمية تابعة لمؤسسات الدولة تستخرج 800 مليون م3/سنة، و 15 ألف بئر مرخصة تستخرج 300 مليون م3/سنة. وتشير تقارير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى وجود 100 ألف بئر غير مرخصة تستخرج 700 مليون م3/سنة، ليصل إجمالي الاستهلاك السنوي للمياه الجوفية إلى 1 مليار و 800 مليون م3/سنة.

حذرت منظمة الأغذية العالمية منذ عام 2021 من انهيار النظام المائي الجوفي، إلا أن وزارة الطاقة والمياه تعاني من نقص في الرقابة على استخراج المياه الجوفية، مما أدى إلى استنزاف الخطط المائية وتداخل المياه المالحة في المناطق الساحلية وانخفاض منسوب المياه الجوفية بنسبة 40% في البقاع. ويصل العجز الجوفي إلى 947 مليون م3/سنة، أي أكثر من ضعف الكمية المتجددة.

عالمياً، يعتبر القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه، وترتبط البصمة المائية بالمياه الافتراضية، والتي تشمل المياه المستخدمة في الصناعة والمواد الاستهلاكية والمياه المباشرة. ويختلف المعدل العالمي للمياه الافتراضية بين 3 و 5 الآف ليتر لاستهلاك الفرد اليومي حسب العوامل الجغرافية والاقتصادية والعادات الغذائية.

تعتمد الدول النامية في نظامها الغذائي على الحبوب والخضار والبقوليات واللحوم. وإذا اعتبرنا أن لبنان يستورد كلياً الحبوب واللحوم وينتج 85% من حاجاته المحلية للخضار والبقوليات، ومع تعداد سكاني يبلغ 6 مليون نسمة، فإن استهلاك المياه الافتراضية يصل إلى 5 مليار و584 مليون م3/سنة، أي ضعف الكمية المتاحة المتجددة.

في ظل انقطاع مياه الشرب والخدمة المنزلية، يعتمد اللبنانيون على الأسواق الخاصة لتأمين احتياجاتهم. وتبلغ تكلفة استهلاك الفرد اليومي من المياه 90 ألف ليرة لبنانية، أي 1 دولار أميركي، وتدفع الأسرة المكونة من خمسة أفراد سنوياً 164 مليون و250 ألف ليرة لبنانية، أي 1835 دولار أميركي. وتعتبر فاتورة المياه في لبنان أغلى بثلاثة أضعاف من دول مجلس التعاون الخليجي.

صدر قانون المياه رقم 77/2018 لتنظيم القطاع، إلا أنه تم إيقاف العمل به والانتقال إلى قانون جديد تحت رقم 192/2020، والذي أثار جدلاً بسبب عدم وجود المراسيم التطبيقية وعدم وضوح آليات الرقابة. ويُظهر الانتقال بين القوانين أن المشكلة استراتيجية، وتتطلب اجتماع وزارات الطاقة والمياه والمالية والزراعة والبيئة لحل إشكالية المياه والحفاظ على هذه الثروة الحساسة.

مشاركة المقال: