الخميس, 18 سبتمبر 2025 08:57 PM

مؤتمر «حل الدولتين»: خلافات عميقة تهدد جهود إحياء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

مؤتمر «حل الدولتين»: خلافات عميقة تهدد جهود إحياء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

شكّل مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى، الذي انعقد في 28 تموز/ يوليو الماضي، حول «التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حلّ الدولتين»، خطوة مهمة قادتها فرنسا والسعودية، في محاولة لإعادة طرح هذا الخيار على الساحة الدولية. وقد أسفر المؤتمر عن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة «إعلان نيويورك»، وهو قرار غير ملزم ينص على «خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا ولا رجعة فيها» تهدف إلى «إنهاء الصراع»، من خلال إحياء «حل الدولتين»، مع التأكيد على إبعاد حركة «حماس» عن أي دور مستقبلي.

وتضمن الإعلان، الذي أقر بأغلبية 142 صوتًا مقابل معارضة 10 دول من بينها الولايات المتحدة، وامتناع 12 دولة، إدانة صريحة لـ«هجمات حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023»، ودعوة الحركة إلى «إلقاء سلاحها وتسليم الحكم في غزة للسلطة الفلسطينية، بموجب عملية انتقالية تحت إشراف دولي». كما حث على الاعتراف العالمي بدولة فلسطين، باعتباره «عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه لتحقيق حل الدولتين».

في المقابل، أدان الإعلان «الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنى التحتية في غزة»، واعتبر الحصار والتجويع الممنهجيين سببًا مباشرًا في وقوع «كارثة إنسانية مدمرة وأزمة حماية غير مسبوقة». كذلك دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار في القطاع، وإطلاق سراح الأسرى، وتشكيل لجنة إدارية انتقالية تحت إشراف السلطة الفلسطينية»، ونشر «بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار».

ورغم الإجماع الدولي شبه الكامل حول إعلان نيويورك، فقد قوبل برفض أميركي شديد؛ إذ وصفت مستشارة البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، مورغان أورتاغوس، القرار بأنه «حيلة دعائية مضللة وغير مناسبة»، واعتبرته «إهانة لضحايا هجمات السابع من أكتوبر»، مضيفة أن واشنطن «لن تشارك في هذا الاستعراض»، وستستمر في قيادة «الجهود الحقيقية لإحلال السلام».

وفي الـ5 من أيلول/ سبتمبر الجاري، تبنت «الجمعية العامة للأمم المتحدة» اقتراحًا سعوديًا – فرنسيًا لعقد مؤتمر رفيع المستوى في الـ22 من الشهر نفسه في نيويورك، بهدف البناء على ما أقره «إعلان نيويورك»، وتحويل مضامينه إلى «خطوات تنفيذية قابلة للتطبيق».

ويشكل المؤتمر المزمع عقده جزءًا من المسار الدولي الذي تقوده باريس والرياض من أجل إطلاق آلية سياسية جديدة، تستند إلى ثلاث أولويات: تطبيع تدريجي للعلاقات العربية – الإسرائيلية، نزع سلاح «حماس»، وإعادة إعمار قطاع غزة ضمن رزمة دعم دولية متكاملة.

وتكشف وثائق دبلوماسية اطلعت عليها «الأخبار»، عن انبثاق سبع لجان عمل من هذا المسار، من أبرزها: لجنة «حق الدولة الفلسطينية في العيش بسلام إلى جانب إسرائيل» التي يرأسها الأردن وإسبانيا، لجنة «سردية السلام» بقيادة قطر وكندا، ولجنة «إنسانية» مشتركة بين المملكة المتحدة ومصر. وكان أعلن المندوب السعودي، عبد العزيز الواصل، أن اللجان باشرت أعمالها، من دون تحديد حجم تقدمها؛ علمًا أن التحضيرات للمؤتمر الأول لم تخل من تباينات حادة، تعكس هشاشة الإجماع الدولي حول المبادرة.

تتعامل بعض العواصم الخليجية مع المؤتمر كإطار لتسويق «تطبيع مشروط» مع إسرائيل، مقابل تقديم تنازلات فلسطينية.

ففي اجتماع تحضيري في نيويورك، بحسب الوثائق، شدد ممثلو الدول الأوروبية على «ضرورة إقصاء حماس كليًا من إدارة غزة»، بينما حذر السفير المصري من مغبة «الدعوة إلى حل الحركة»، منبهًا إلى أن ذلك «يعقد المسار التفاوضي». أما السعودية، فأصرت على فصل المسار السياسي عن التصعيد العسكري الإسرائيلي الجاري في القطاع، معتبرة أن «المؤتمر يجب أن يستكمل بمعزل عما يحصل في غزة». وفي موقف لافت، حذرت ممثلة مالطا من تجاهل ما يجري في الضفة الغربية التي «تتحول تدريجيًا إلى نسخة ثانية من غزة».

في المقابل، حافظت الولايات المتحدة على موقفها الرافض لأي مبادرة لا تنطلق من رؤيتها الخاصة. فوفقًا للوثائق الدبلوماسية، شدد المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، خلال اجتماع مع أعضاء مجلس الأمن في 7 أيار/ مايو، على أن «نزع سلاح حماس هو شرط إسرائيلي أساسي لوقف إطلاق النار»، وأكد تبني الإدارة الأميركية لهذا المطلب، من دون ربطه بالضرورة بانسحاب كامل عناصر الحركة من القطاع. واتهم ويتكوف «حماس» بإفشال الجهود التفاوضية، وطالب بمراعاة «الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية» في توزيع المساعدات الإنسانية، مكررًا اتهامات إسرائيل للحركة بـ«الاستحواذ» عليها.

وفي خطوة إضافية تعكس توجهًا أميركيًا لتعطيل أي تمثيل فلسطيني فعال في المحافل الدولية، اعترضت واشنطن على ترشيح المراقب الفلسطيني، رياض منصور، لرئاسة «الجمعية العامة» للأمم المتحدة. وبحسب الوثائق، فقد ادعت القائمة بأعمال المندوبة الأميركية، دوروثي شيا، أن منصور «يخدم مصالحه الخاصة»، وأن توليه المنصب «سيغذي المعارضة الداخلية في واشنطن لتمويل المنظمة الدولية». وفي غضون ذلك، تفيد مصادر دبلوماسية بأن نحو عشر دول، من بينها فرنسا وكندا وبلجيكا وأستراليا، تعتزم إعلان اعترافها بدولة فلسطين خلال أعمال الدورة الحالية للجمعية العامة، ضمن سياق المبادرة السعودية – الفرنسية.

غير أن بعض العواصم الخليجية لا تزال تتعامل مع المؤتمر كإطار لتسويق «تطبيع مشروط» مع إسرائيل، مقابل تقديم تنازلات فلسطينية جوهرية مثل إنهاء وجود حركة «حماس» سياسيًا وعسكريًا، فيما لا ترقى المكاسب المفترضة إلى مستوى الاعتراف الكامل بالحقوق الوطنية. وكان يفترض بالمؤتمر أن يشكل منصة عربية – أوروبية لحض واشنطن على الانخراط مجددًا في مسار الدولتين؛ لكن الموقف الأميركي المتطرف لصالح إسرائيل، وتصعيد الأخيرة لحربها في غزة، وتوسيعها اعتداءاتها على دول المنطقة، وآخرها قطر… كلها عوامل ترجح فشل المؤتمر – بمعزل عن رغبة باريس والرياض في تحويله إلى مسار تفاوضي طويل الأمد -، أو ذهابه إلى أدراج «الأمم المتحدة» في أحسن تقدير.

مشاركة المقال: