الثلاثاء, 30 سبتمبر 2025 11:36 PM

مؤتمر في دمشق يستهدف جذب الاستثمارات الدولية لإعادة إعمار سوريا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية

مؤتمر في دمشق يستهدف جذب الاستثمارات الدولية لإعادة إعمار سوريا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية

في ظل التوجهات المتزايدة نحو إعادة إعمار سوريا بأسس حديثة ومستدامة، استضاف فندق "غولدن مزة" في 22 أيلول الحالي مؤتمر "الطاقة والبنية التحتية"، بهدف استقطاب الشركات العربية والأجنبية للاستثمار في المشاريع الاستراتيجية داخل البلاد. وقد شهد المؤتمر غيابًا ملحوظًا للتمثيل الحكومي، مما أثار تساؤلات حول مستقبل التعاون بين القطاع العام السوري والقطاع الخاص الخارجي.

واكب موقع "عنب بلدي" هذا الحدث الاستثماري، الذي نظمته المنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي (EMA) بالتعاون مع شركة المحاماة الألمانية "CLAYSTON"، وسلط الضوء على أهداف المؤتمر في فتح المجال أمام الشركات الخاصة المحلية والدولية للاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وذلك ضمن رؤية جديدة لإعادة بناء سوريا بعيدًا عن القنوات الرسمية التقليدية.

"EMA" و"CLAYSTON"

المنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي (EMA) هي مؤسسة دولية غير ربحية وغير حكومية مقرها ألمانيا، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية ودول أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ودول شمال إفريقيا. يترأسها الدكتور توماس وولفينغ، ورؤساء فخريون آخرون، كالرئيس الألماني الأسبق كريستيان وولف والأمير حسن بن طلال من الأردن.

أما "CLAYSTON"، فهو عبارة عن اتحاد دولي لمكاتب المحاماة ومستشاري الضرائب والخبراء الماليين، تأسس عام 2005 ومقره هامبورغ بألمانيا، ويقدم خدمات استشارية قانونية وضريبية شاملة لعملائه في مجال الشركات والعمال والعقارات والتجارة، ولديه شبكة عالمية تضم مكاتب في مراكز مالية وتجارية وسياسية كبرى حول العالم.

فرص واعدة للخدمات اللوجستية

أوضحت خلود سري حلبي، المديرة العامة لشركة "حلبي وشركاه للخدمات اللوجستية"، في حديث لـ "عنب بلدي"، أن المؤتمر يمثل مرحلة مهمة لخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، مبينة أن الحدث سمح بالتعرف على الزوار والبلدان والشركات المهتمة بالاستثمار في قطاع البناء وإعادة الإعمار في سوريا. وأشارت إلى أن الشركة تشارك في المؤتمر للتعرف إلى الشركات الراغبة بالتعاقد معها، مضيفة أن إعادة الإعمار تتطلب وجود شركات متخصصة في الخدمات اللوجستية، التخليص الجمركي، النقل، وتوفير مستودعات لتخزين المعدات والآليات ومستلزمات البناء.

العقوبات على النقل والشحن لا تزال سارية

أكد جود عبد المسيح، شريك في شركة "خلود حلبي وشركاه للخدمات اللوجستية"، أن العقوبات المفروضة على شركات النقل والخدمات اللوجستية في سوريا لا تزال سارية على المستوى العالمي، مشيرًا إلى أن أي حالة إزالة للعقوبات على الدول التي تم فرضها عليها مثل كوبا وروسيا والسودان "لم تحدث تاريخيًا". وأوضح أن موافقة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إزالة العقوبات يجب أن تقترن بموافقة الكونجرس ومجلس النواب والجهات التنفيذية، مثل وزارات الخارجية والخزانة والاقتصاد والتجارة، نظرًا إلى تداخل العقوبات بين هذه الجهات.

وبحسب عبد المسيح، فإن الولايات المتحدة ما زالت تصنف سوريا دولة راعية للإرهاب منذ عام 1979، وأي مركبة تكون أكثر من 10% من مكوناتها أمريكية لا يمكن استيرادها أو استخدامها في سوريا، ومخالفة هذه العقوبات قد تصل الغرامات فيها إلى 1.2 مليار دولار لكل حالة، مع منع شركات الشحن حتى من خارج الولايات المتحدة من التعامل مع "بوليصات" الشحن المتجهة إلى سوريا. كما لفت إلى أن هناك رغبة لدى بعض المشرعين الأمريكيين للحفاظ على قانون "قيصر" بشكل دائم مع تعديلات طفيفة، ما يجعل الشركات الضخمة مترددة في دخول السوق السورية، رغم وجود اتفاقيات استثمارية، مرجحًا أن يكون السبب وراء ذلك ضغوط اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة.

تسهيلات الاستيراد والتصدير على الحدود

أشاد عبد المسيح بالهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، مشيرًا إلى أنها نجحت في توحيد التعرفة الجمركية وإلغاء إجازات الاستيراد، ما أسهم في القضاء على مخالفات أنظمة القطع وتقليل الفساد بشكل شبه كامل، كما تم ضبط المعابر الحدودية وتحسين رواتب العاملين مع التشدد في تطبيق القوانين. ولكنه أشار في المقابل، إلى أن مطار دمشق الدولي بحاجة إلى مستثمر لتطوير البنية التحتية الرقمية والتقنيات الحديثة، بشكل كامل.

الشركات العالمية واستثمارات الطاقة

من بين الشركات المشاركة في المؤتمر، برزت شركة "Ansaldo" الإيطالية للطاقة، التي يبلغ عمرها 173 عامًا، وتُصنف ضمن أفضل أربع شركات عالمية في تصنيع أجهزة توليد الطاقة. وأوضح حسان عبد الحميد، مدير المبيعات ومدير فروع الشركة في الأردن ولبنان، أن الشركة على اتصال وتنسيق مستمر مع وزارة الطاقة السورية، لإعادة تأهيل محطات التوليد التي لم تخضع للصيانة منذ أكثر من 14 عامًا، بما يشمل توريد قطع الغيار. وتساءل عبد الحميد عن السبب وراء غياب الجهات الحكومية عن مثل هذه المؤتمرات المهمة في قطاع توليد الطاقة الكهربائية، مبينًا أن المشاركة في المؤتمر تتيح للشركات الاطلاع على فرص التعاون المشترك مع الجهات المعنية.

وتحظى الشركة بانتشار واسع يشمل شمال إفريقيا، مصر، لبنان، سوريا، ودول الخليج، مع وجود مركز صيانة رئيس في دبي، وفقًا لعبد الحميد، الذي قال إن الشركة ساهمت في إنشاء محطة بانياس الحرارية في الثمانينيات وتوريد معدات ومحركات توليد لمحطات "دير علي 2 و3". وأوضح أن التمويل يمثل التحدي الرئيس لتنفيذ مشاريع جديدة في سوريا، وأن الحكومة تعتمد على التعاقد مع مستثمرين بسبب غياب التمويل المباشر.

توطين الصناعات الكهربائية في سوريا

أكد منتصر قلعه جي، الرئيس التنفيذي لشركة "شرفة" السعودية القابضة ومستشار رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري، أن مهمة المجلس تتضمن توجيه الاستثمارات السعودية نحو سوريا، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين السوريين في السعودية على الاستثمار في وطنهم. ونظرًا لأهمية توطين الصناعات الكهربائية المتعلقة بالتوليد والنقل والتوزيع في سوريا، قال قلعه جي، إن شركة مصادر للطاقة في منطقة الشيخ نجار بحلب، التي يمثلها، تبذل جهودًا مكثفة لنقل صناعات توزيع الكهرباء من السعودية إلى سوريا، وتشمل وحدات الربط الحلقية، المحطات المدمجة، مراكز التحكم، المحولات، ومعدات الطاقة الأخرى، وإعادة تأهيل وإطلاق المصنع التابع للشركة بالتعاون مع الشركة السعودية المتحدة للمحولات الكهربائية (UTEC).

وحول المشاريع المستقبلية إضافة إلى البدء بتجديد التراخيص للإقلاع بالعمل والتصنيع في مصنع "الشيخ نجار"، أكد قلعه جي أهمية تصنيع وحدات الطاقة لمراكز التحكم البيانات والسيرفرات للمقاسم الهاتفية في سوريا، ولذلك تم بحث هذا الموضوع مع وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل. وبالنسبة للتعهدات والمقاولات قال إنه سيتم الإقلاع بالعمل في شركة "آراك" للإنشاءات الصناعية والسكنية مجددا في سوريا بعد انقطاع طيلة سنوات الحرب، مشيرًا إلى وجود اتفاقية أيضًا مع شركة ما بعد المشورة السعودية لإنشاء مركز استشارات هندسية وتسويقية في دمشق.

قروض للمنظمات غير الربحية والربحية

أوضح المحامي السوري الألماني ممدوح التجار، مدير فرع كل من الشركة والمنظمة الأورومتوسطية بدمشق، أن المشاريع ذات الأولوية بالتمويل هي مشاريع الطاقات المتجددة. وقال التجار إن المنظمة تقوم بتقديم الدعم المالي للمنظمات غير الربحية في سوريا، بتمويل من الحكومات الأوروبية، بينما تقوم شركة المحاماة بتقديم الدعم المالي للمنظمات الربحية (شركات ومنشآت القطاع الخاص) بتمويل من بنوك أوروبية خاصة.

ووفقًا للتجار: "إذا كانت هناك شركات خاصة في سوريا، ترغب بالحصول على التمويل، فنحن نعطي قروضًا في هذا المجال لمدة عشر سنوات بنسب فوائد قليلة مقدمة من بنوك أوروبية لمشاريع كبيرة الحجم بضمانة شركات سورية أو شركات مشتركة في دول المنطقة". وشاركت في المؤتمر عدد من الشركات الألمانية والأمريكية والقطرية والسعودية والأردنية والتركية.

فوائد مخفضة من 4 إلى 6%

كشف المحامي التجار أن نسب الفوائد تتراوح بين 4 و6% من قيمة القروض وحسب تكلفة كل مشروع والجدوى الاقتصادية منه، وغير ذلك. أما مبالغ القروض فهي من 50 مليون يورو وما فوق لكل قرض واحد، لدعم مشاريع الطاقة المتجددة والبنى التحتية في سوريا ودعم الصادرات منها باتجاه أوروبا. وأكد التجار أن المؤتمر يمثل فرصة مهمة، للاطلاع على خيارات التمويل الدولي وتحقيق التعاون الاقتصادي بمجالات البنى التحتية والطاقة المتجددة والأمن والدفاع.

وبالمقارنة مع القروض المقدمة من مصارف القطاع العام السورية، والمخصصة لتمويل مشاريع الطاقات المتجددة وتأهيل البنى التحتية، فهي متوقفة في سوريا، باستثناء المصرف الصناعي السوري الذي يقدم قروضًا للصناعيين والحرفيين والمهن العلمية وغيرهم بسقف منح يعادل نحو 235 ألف يورو فقط وحد أدنى من الفوائد يبدأ من 17% سنويًا على الرصيد المتناقص.

مشاريع طموحة للمنظمة الأورومتوسطية

تركز المنظمة على الموارد البشرية في مجالات التدريب والتعليم الرقمي، وقال مدير المنظمة بدمشق إنه سيتم التوقيع قريبًا على عقود بهذا الشأن مع عدد من الجامعات السورية الخاصة مثل الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا "IUST". جامعة "IUST" لديها مكتب للتنمية المستدامة تم افتتاحه عام 2023، ووقعت اتفاقيات تعاون مع جامعات عربية ودولية مثل: جامعات دمشق، يوتا (الولايات المتحدة)، برنو للتكنولوجيا (التشيك)، فيلادلفيا، البترا (الأردن)، جندال العالمية (الهند).

وترغب المنظمة أيضًا بإقامة مشاريع أخرى، بحسب التجار، تتمثل بـ"تدريب الشركات غير الربحية في مجال الطاقة المتجددة" و"التدريب في مجال الرعاية الصحية" و"مشروع لدعم دور المرأة في الاقتصاد" (وصال).

مشاركة المقال: