بينما تواصل الدولة السورية بثقة مسيرتها نحو استعادة عافيتها الوطنية، وترسيخ السيادة والاستقرار وتجاوز آثار الحرب، تسعى قوى معزولة ومتشرذمة في شمال شرق البلاد إلى إعادة إنتاج سيناريوهات قديمة بأدوات جديدة، وذلك من خلال ما يسمى بـ "مؤتمر المكونات" الذي انعقد اليوم في الحسكة تحت رعاية "قسد".
لا يمكن اعتبار هذا التجمع تحالفاً سياسياً شاملاً، بل هو أقرب إلى تحالف ظرفي لمجموعة من القوى والشخصيات التي تتلاقى مصالحها عند نقطة واحدة: معارضة انتصار الإرادة الوطنية السورية وسقوط النظام البائد الذي كان يشكل مظلة لاستبدادهم ومكاسبهم الضيقة لعقود.
تتألف هذه التشكيلات في معظمها من جماعات وشخصيات تعتمد بشكل كامل على الدعم الخارجي لفرض تمثيل قسري لبعض المكونات السورية. وتلجأ هذه التشكيلات إلى مثل هذه المؤتمرات لتأكيد وجودها في المشهد، بدلاً من السعي لتقديم مشروع وطني واضح المعالم.
يرى الخبراء أن المستقبل بتحدياته الكبيرة والمشروع الوطني الجامع الذي تمثله الدولة السورية بأركانه الثلاثة: جيش واحد، حكومة واحدة، بلد واحد، يظل هاجساً يلاحق هذه الأطراف ويدفعها إلى محاولة الهروب إلى الأمام. وقد بدا مؤتمر اليوم، شكلاً ومضموناً، أشبه بفعالية فلكلورية تم ترتيبها على عجل، وجمعت أطيافاً متفرقة من قوى متناقضة الأهداف، ولكنها تتفق على هدف واحد: الضغط على الدولة السورية في ظل الانفتاح العربي والدولي نحو دمشق.
يحمل بعض المشاركين تاريخاً سياسياً وإعلامياً مشبوهاً، بينما ارتبط البعض الآخر بعلاقات وثيقة مع فلول النظام البائد أو شخصيات مثيرة للجدل، عُرفت بمواقفها المتطرفة أو بتنسيقها مع قوى معادية، بما فيها إسرائيل، التي تعتبر الراعي الخفي والظاهر لهذه التجمعات، وذلك انسجاماً مع رغبتها في إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة.
ليس سراً أن "قسد" سعت من خلال هذا المؤتمر إلى التغطية على سياساتها في التغيير الديمغرافي الممنهج بحق العرب السوريين في الجزيرة، وهي سياسة تبنتها تيارات كردية متطرفة مرتبطة مباشرة بمراكز القرار في جبال قنديل. هذه الممارسات لا تقتصر على الجانب الميداني فحسب، بل تمتد إلى محاولة صياغة خطاب سياسي يضفي الشرعية على هذه السياسات ويقدمها على أنها تمثيل للمكونات.
يقدم التاريخ السوري صورة مشابهة لما يحدث اليوم، حيث شهدت البلاد قبل حوالي تسعين عاماً مؤتمراً مماثلاً رعته فرنسا، وكان يطالب بتقسيم البلاد. إلا أن وعي الشعب السوري آنذاك، بمختلف مكوناته، أفشل تلك المشاريع، وصولاً إلى دولة الاستقلال. واليوم، يعيد البعض – وبطريقة أقل ذكاء – إنتاج تلك الأفكار الانفصالية، في محاولة لعرقلة مسار بناء الدولة السورية التي تتطلع إليها جميع القوى الوطنية الصادقة.
إن مثل هذه المؤتمرات، على الرغم من ضجيجها الإعلامي، لا تمثل إلا نفسها، ولا يمكنها أن تنفي حقيقة أن سوريا، بشعبها وجيشها وحكومتها، تتجه نحو استعادة وحدتها وسيادتها الكاملة. وكما تجاوز السوريون مشاريع التقسيم في الماضي، فإنهم اليوم أكثر وعياً وقدرة على حماية وطنهم من أي مخططات تستهدفه، مهما تعددت الشعارات وتبدلت اللافتات.