الأربعاء, 19 نوفمبر 2025 01:50 PM

مجلس السلام وقوة الاستقرار: تحديات تواجه الحوكمة الانتقالية في غزة بعد خطة ترامب

مجلس السلام وقوة الاستقرار: تحديات تواجه الحوكمة الانتقالية في غزة بعد خطة ترامب

يسلط مشروع القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، والمرتبط بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة، الضوء على مصطلحي "مجلس السلام" و"قوة الاستقرار الدولية"، باعتبارهما عنصرين حيويين في ترتيبات حوكمة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب. ويعكس هذان العنصران جهود ترامب المكثفة لفرض رؤية أميركية لـ "اليوم التالي"، على الرغم من تحفظ روسيا والصين اللتين تصفان الخطة بأنها "إشكالية وقد تفاقم الأزمة".

مجلس السلام كآلية للحوكمة الانتقالية

"مجلس السلام" المقترح هو هيئة حكم انتقالية تم إنشاؤها بقرار أممي، وتتمتع بصفة "شخصية قانونية دولية". نظرياً، يترأس ترامب المجلس، وتستمر ولايته مؤقتًا حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2027. وتتركز مهام المجلس حول إدارة الشؤون المدنية وإعادة البناء في غزة، أي وضع الإطار العام وتنسيق التمويل اللازم لإعادة إعمار غزة وبرامج التعافي الاقتصادي، وتنسيق ودعم وتقديم الخدمات العامة والمساعدات الإنسانية في القطاع، واتخاذ التدابير الضرورية لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع من وإلى غزة، بما يتوافق مع الخطة الشاملة، وأخيراً رفع تقرير خطي إلى مجلس الأمن كل 6 أشهر بشأن التقدم المحرز في هذه المهام.

يرى البعض أن الفترة الزمنية المحددة لولاية المجلس لا تعكس مرحلة انتقالية قصيرة، بل تمثل فترة وصاية دولية مباشرة ومطولة على القطاع، في ترتيب ينزع أي مظهر من مظاهر السيادة الفلسطينية المؤقتة، ويجعل المجلس بقيادته الأميركية المرجعية العليا لأي إدارة فلسطينية مستقبلية في غزة. والأهم هو التأثير في السلطة الفلسطينية؛ فالقرار يربط نقل السيطرة إليها بإكمالها "برنامجها الإصلاحي بشكل مرضٍ". وهذا يفرض ضوابط صارمة على عودة السلطة، ما يعني أن الشرعية الإدارية لن تُمنح بناءً على التمثيل الوطني أو الاتفاق الداخلي، بل بناءً على تقييم أميركي صارم لأدائها الإصلاحي. بالتالي، يعمل المجلس أداة ضغط لفرض أجندة الإصلاحات الداخلية التي تتفق مع المتطلبات الدولية.

قوة الاستقرار الدولية وصلاحيات نزع السلاح

تُعد "قوة الاستقرار الدولية" الركيزة الأمنية لخطة "اليوم التالي" الأميركية في غزة، وقد فُوّضت صلاحيات واسعة غير تقليدية لقوات حفظ السلام. فهذه القوة هي قوة "إنفاذ استقرار" وليست قوة "حفظ سلام"، في توصيف يعكس الطبيعة التنفيذية والعملياتية لمهامها، إذ تهدف إلى تهيئة الأرضية لحكومة فلسطينية جديدة تحت إشراف دولي. فالقرار الأممي يخول الدول الأعضاء في المجلس بإنشاء هذه القوة، التي ستُنشر تحت قيادة موحدة يقبلها مجلس السلام، وهو يسمح للقوة الدولية باستخدام "جميع التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس". وهذا تفويض قتالي محتمل، ربما يوضع تحت الفصل السابع، لضمان الاستقرار في القطاع.

تنص الخطة الأميركية على انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من غزة ما إن تتمكن القوة الدولية من فرض سيطرتها الأمنية والعملياتية على القطاع، على أن يبقى الإذن الصادر لها سارياً حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2027، وأي تجديد سيكون ثمرة تنسيق مع مصر وإسرائيل. ولكن المهمة الأساسية للقوة، أي نزع سلاح "حماس" ونظيراتها، تخلق تناقضاً وجودياً يهدد قدرتها على العمل. فبما أن حماس تعتبر سلاحها حقاً مشروعاً للمقاومة ضد الاحتلال، تفويض قوة دولية نزع هذا السلاح يجردها فوراً من حياديتها كما تقول "حماس"، ويحولها إلى "طرف في الصراع لصالح إسرائيل". وهكذا، ربما تضطر القوة الدولية إلى تنفيذ مهمات قتالية لفرض نزع السلاح… فهل الدول المشاركة فيها مستعدة لتحمل تداعيات هذه المخاطر الأمنية العالية؟

إسرائيل: قبول أمني ورفض سياسي

رحبت إسرائيل ضمنياً بالجوانب الأمنية في الخطة التي تخدم مصالحها المباشرة. فنزع سلاح "حماس" هدف معلن، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد أن إسرائيل ستنزع هذا السلاح "إن لم تقم قوى أخرى بذلك". إلا أن الرفض الإسرائيلي للمسار السياسي يمثل النقطة الأضعف في الخطة. ففيما يشير القرار الأممي إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلية، يصر نتنياهو على أن رفضه إقامة هذه الدولة "لم يتغير قيد أنملة". وهذا التناقض الجوهري بين الهدف الأمني المرحلي (نزع السلاح) والهدف السياسي طويل الأمد (المسار المؤدي إلى الدولة الفلسطينية) يهدد بإفراغ الخطة الأميركية من محتواها الشامل، خصوصاً أنها تتحلى بغطاء عربي مشروط – خصوصاً من المملكة العربية السعودية – بالتزام "حل الدولتين".

الاندفاع الأميركي لفرض خطة ترامب لوقف حرب غزة وضع نتنياهو تحت الضغط، في تطور يشير إلى أن إسرائيل "ربما لم تعد صاحبة الكلمة الفصل في المسار إلى اليوم التالي في غزة". فواشنطن عازمة على فرض معادلات جديدة تحدّ من قدرة إسرائيل على المناورة.

الفصائل والسلطة: ترحيب مشروط ورفض قاطع

تباينت المواقف الفلسطينية الرسمية والشعبية تجاه المقترح، بين رفض الفصائل القاطع وترحيب السلطة الفلسطينية المشروط. فقد أعلنت "حماس" رفضها القاطع قرار مجلس الأمن، واصفة إياه بأنه "آلية وصاية دولية" على غزة، محذرة من أن القرار "محاولة لتمرير رؤية منحازة للاحتلال وتحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها عبر الحرب العسكرية". ففي قضية نزع السلاح، شددت "حماس" على أن سلاحها مرتبط بوجود الاحتلال، مطالبةً بأن يقتصر تواجد أي قوة دولية على الحدود وحدها، للفصل بين القوات ومراقبة وقف إطلاق النار، وأن تخضع لإشراف الأمم المتحدة وتعمل بالتنسيق الحصري مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية دون أي دور للاحتلال.

إلى ذلك، رحبت السلطة الفلسطينية بإقرار مجلس الأمن للقرار، واعتبرته خطوة إيجابية لأنه يؤكد تثبيت وقف إطلاق النار ويدعم "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة". وأبدت السلطة الفلسطينية جاهزيتها لتحمل كامل مسؤولياتها في غزة، لكنها شددت على أن يكون ذلك في إطار "وحدة الأرض والشعب والمؤسسات"، معتبرة القطاع جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطين، كما طالبت بضرورة الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال ووقف تقويض "حلّ الدولتين".

ربط الدعم العربي بالمسار السياسي

يمثل الموقف العربي عنصراً حاسماً، حيث تحول الدعم الإقليمي من مجرد تأييد لوقف إطلاق النار إلى ورقة ضغط استراتيجية لفرض المسار السياسي. فقد أيدت دول عربية وإسلامية رئيسية، بما في ذلك مصر وقطر والسعودية والإمارات، مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن، معربة عن "دعمها المشترك" للخطة، خاصة أنها تضمنت وقفاً للنار. مع ذلك، ربطت الدول العربية مشاركتها في تفاصيل هذه الجهود الدولية بـ "التزام لا لبس فيه" من إسرائيل بمسار سياسي واضح ومضمون لإقامة "دولة فلسطينية".

هذا الربط الاستراتيجي يحول الأداة الأمنية في الخطة الأميركية، أي "مجلس السلام" و"قوة الاستقرار الدولية"، إلى أداة سياسية. فإعادة إعمار غزة ضرورية لنجاح أي إدارة انتقالية، وبإلزام الدول العربية الدعم المالي بالاعتراف بمسار الدولة الفلسطينية، فإنها تخلق ضغطاً جيوسياسياً على الولايات المتحدة للتحكم في التعنت الإسرائيلي.

ولا ننسى أن التنسيق الإقليمي يؤدي دوراً حاسماً في تنفيذ الخطة. فالقرار ينص على التعاون والتنسيق الكاملين مع مصر وإسرائيل في "نشر القوة الدولية" وتجديد ولايتها. مصر، بحكم موقعها الجغرافي وسيطرتها على معبر رفح، تُعد شريكاً أمنياً محورياً لا غنى عنه لشرعنة وجود القوة الدولية ونجاحها في تأمين الحدود. وثمة خطة مصرية لـ "اليوم التالي" تستبعد "حماس" من الحكم، وتدعو إلى ترتيبات حكم انتقالي تحافظ على "حلّ الدولتين".

النموذج اللبناني!

ثمة مفارقة استراتيجية كبرى تكمن في أن القرار يستبدل الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر بآلية أمنية دولية تخدم أهداف تل أبيب الأمنية. فالانسحاب الإسرائيلي مشروط أصلاً بالسيطرة العملياتية الكاملة للقوة الدولية. وبما أن مهمة هذه القوة نزع السلاح وتأمين الحدود، وهما هدفان إسرائيليان، فإن القوة الدولية تتحول بحكم الواقع إلى وكيل أمني لإسرائيل.

يُخشى من أن يؤدي هذا إلى فرض واقع جديد، يشبه "النموذج اللبناني" الهش، حيث تتم إضفاء شرعية دولية على سيطرة أمنية خارجية على القطاع تخدم متطلبات الأمن الإسرائيلي، بدلاً من تمكين السيادة الفلسطينية الحقيقية. فالخطة الأميركية هشة سياسياً، بسبب التناقض بين رفض إسرائيل "حلّ الدولتين" والطموح السياسي الذي تعبر عنه الخطة، ما يهدد بانهيار المرحلة الثانية من الاتفاق، خصوصاً أن الملاحظات العربية على تجرد القوة الدولية من الحيادية كبيرة، وقد تصعب عملية تشكيلها ونشرها. وهذا يستدعي إعادة تعريف "ولاية القوة الدولية"، وعلى "مجلس السلام" تعديل الأولويات الأمنية لقوة الاستقرار لتجنب الاشتباك المباشر، الذي – إن حصل – يمكن أن يوقف الخطة الأميركية برمتها.

مشاركة المقال: