الخميس, 20 نوفمبر 2025 12:59 AM

محاكمات علنية في حلب تثير جدلاً حول قانونية الإجراءات ومطالبات بالشفافية

محاكمات علنية في حلب تثير جدلاً حول قانونية الإجراءات ومطالبات بالشفافية

أثارت الجلسات العلنية للمحاكمات التي بدأت أمس في مدينة حلب ردود فعل واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية والشعبية، حيث تعتبر خطوة أولى نحو ترسيخ مبدأ علنية القضاء في قضايا الانتهاكات بعد عقود من المحاكمات المغلقة. انعقدت الجلسة الأولى بحضور إعلامي ورقابة وحضور أهالي الضحايا، مما يشكل تحولاً في علاقة القضاء السوري بالرأي العام ومسار المساءلة.

الإطار التاريخي للعلنية: من ضمانات العدالة إلى رقابة المجتمع

يعود تاريخ مبدأ العلنية إلى القرون الوسطى، واكتسب شكله الحديث في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر مع توسع الفكر الدستوري الذي اعتبر أن العدالة لا تتحقق إلا أمام الناس. ومع الثورة الفرنسية، أكد إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 على حق الجمهور في حضور المحاكمات، مما عزز دور العلنية كحماية من تعسف السلطة. وفي القرن العشرين، تبنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 هذا المبدأ، مؤكدًا حق كل فرد في محاكمة علنية ومنصفة. أصبحت العلنية أداة لضمان الشفافية وتعزيز الثقة بالقضاء، خاصة في الدول الخارجة من النزاعات أو الأنظمة الاستثنائية، حيث تعتبر الرقابة المباشرة من الرأي العام والصحافة ضرورية لتصحيح مسار العدالة.

خطوة إيجابية تستدعي الشفافية الكاملة

اعتبر فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن انطلاق المحاكمات العلنية في حلب يمثل "خطوة في الاتجاه الصحيح" بعد مطالبات بفتح تحقيقات جدية في انتهاكات الساحل. وأوضح أن لجنة التحقيق اعتمدت على شهادات ووثائق وملفات رقمية، مما مكن من بناء قاعدة أدلة واضحة، مشددًا على أن العلنية شرط أساسي للثقة بالإجراءات القضائية. دعا عبد الغني إلى نشر التقرير الكامل للجنة التحقيق، وتعزيز استقلال القضاء، وتمكين المجتمع المدني من ممارسة دوره الرقابي.

انتقادات شعبية ومخاوف من حصر العدالة في ملف واحد

في المقابل، صدرت مواقف غاضبة من ذوي الضحايا وعدد من الناشطين، من بينهم ميساء سعيد، التي اعتبرت أن التركيز على محاكمات أحداث الساحل دون فتح ملفات الانتهاكات الأوسع "يمثل اختلالًا خطيرًا في ميزان العدالة". وقالت إن أهالي الشهداء يطالبون بمحاكمات علنية تشمل جميع المسؤولين عن القتل والتعذيب، محذرة من أن حصر المحاسبة بملف واحد سيفهم كتجاهل لجرائم الماضي. واعتبر معارضون للسلطة الجديدة في دمشق أن ما حصل هو مجرد إجراءات شكلية لتلميع صورة النظام الجديد أمام الرأي العام الدولي.

أدلة رقمية واتهامات متنوعة

شهدت الجلسة حضورًا واسعًا من الصحافيين وأهالي الضحايا، إلى جانب انتشار لقوات الأمن العام حول قصر العدل. وواجه المتهمون تهمًا تتعلق بإثارة الفتنة الطائفية، والسرقة، والاعتداء على عناصر الأمن الداخلي، والتواصل مع ضباط من النظام السابق. قدمت النيابة العامة أدلة رقمية جرى استخراجها من أجهزة المتهمين، بينها محادثات وصور وملفات صوتية، واعتبرت مؤشرات على تورط عدد منهم. وأكد القاضي أن الإجراءات تتم وفق قانون العقوبات العسكري رقم 61 لعام 1950 وقانون أصول المحاكمات الجنائية، مع التشديد على مبدأ العلنية.

بداية مسار قضائي مختلف

قال المحامي مازن جمعة، وكيل أحد المتهمين، إن جلسة الأمس "تمثل بداية لمسار قضائي جديد طال انتظاره"، خصوصًا بعد سنوات من محاكم أمن الدولة التي كانت تصدر أحكامها بعيدًا عن الرقابة. وأشار إلى أن وجود عناصر من الأمن الداخلي والجيش إلى جانب عناصر من النظام السابق في قفص الاتهام يعكس تحولًا في مقاربة العدالة، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تشمل رموز النظام السابق الذين ما تزال بحقهم ملفات لم تفتح.

توسع مرتقب في المحاكمات

ذكرت مصادر في وزارة العدل أن المحاكمات ستستمر وتشمل أكثر من 560 متهمًا في أحداث الساحل، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بجرائم ارتكبت خلال السنوات الماضية. وأكد مصدر حقوقي في دمشق أن لوائح الاتهام المقبلة ستستند إلى اعترافات ووثائق عرضت في الجلسة الأولى.

الإطار القانوني الناظم

تعتمد المحكمة على قانون العقوبات العسكري رقم 61 لعام 1950، الذي يشدد العقوبات على الجرائم المرتكبة من قبل عسكريين أو من يعملون تحت سلطة وزارة الدفاع، خصوصًا عند استغلال الصفة العسكرية أو ارتكاب أفعال تمس المدنيين. وتتراوح العقوبات بين السجن المشدد والطرد والتجريد من الحقوق، وصولًا إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام في حال وفاة مدني نتيجة الفعل.

مشاركة المقال: