يواجه مرضى السرطان في محافظة السويداء وضعًا إنسانيًا بالغ الخطورة، حيث تتزايد المخاطر على حياتهم نتيجة النقص الحاد في الأدوية الأساسية وصعوبة الوصول إلى مراكز العلاج في دمشق. وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتهم وتقليل فرصهم في الحصول على العلاج في الوقت المناسب.
صعوبة الوصول إلى العلاج
أدت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء إلى قطع طريق دمشق – السويداء منذ 13 تموز الماضي، مما أعاق وصول المرضى إلى المستشفيات وتلقي العلاج اللازم. في المقابل، تواصل منظمة الهلال الأحمر العربي السوري إمداد محافظة السويداء بالمساعدات التي تغطي جزءًا من الاحتياجات الكبيرة، بالإضافة إلى عمليات إجلاء المرضى والمدنيين عبر معبر بصرى الشام شرقي محافظة درعا، وذلك بدعم من منظمات دولية وإنسانية ومتبرعين.
أوضح الطبيب المتخصص في علاج الأورام، والمتابع لملف المرضى في المحافظة، بليغ غرز الدين، لعنب بلدي، أن عدد مرضى الأورام في السويداء يتراوح بين 1500 و2000 مريض، موزعين بين مستشفى السويداء الوطني والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في مستشفى البيروني بدمشق. وأشار غرز الدين إلى أن حوالي 60% إلى 70% من المرضى كانوا يراجعون مستشفى البيروني، بينما يراجع 40% مستشفى السويداء الوطني. إلا أن الظروف الأمنية الراهنة وانقطاع الطريق حالا دون تمكن المرضى من الوصول إلى دمشق لمتابعة علاجهم.
نقص حاد في الأدوية
بالإضافة إلى انقطاع طريق دمشق – السويداء نتيجة الاشتباكات بين فصائل محلية في السويداء ومسلحين من عشائر البدو وقوات الأمن العام، يواجه مرضى السرطان في المحافظة أزمة حادة تتمثل في نقص الأدوية الكيميائية والمناعية اللازمة لجرعات العلاج، بحسب ما أفاد الطبيب بليغ غرز الدين لعنب بلدي.
وأوضح غرز الدين أن احتياجات المستشفيات من الأدوية لم تعد متوفرة بالكمية المطلوبة، مشيرًا إلى أنه تم إرسال لائحة باحتياجات مستشفى السويداء والتواصل مع رئيس رابطة الأورام في دمشق، محمد دبل، بهذا الخصوص، إلا أن هذه المستلزمات المخصصة لتغطية علاج نحو ألفي مريض لم تصل حتى الآن. وأضاف أن توفير الأدوية يعتمد حاليًا على مبادرات فردية وتمويل شخصي، مع محاولات إدخال كميات محدودة بصعوبة، في ظل غياب دعم مؤسسي منتظم.
وتمكنت جمعية أصدقاء مرضى السرطان، بين 13 تموز و5 آب، من تأمين الأدوية السرطانية والهرمونية لأكثر من 230 مريضًا، بتكلفة بلغت 115 مليون ليرة سورية. وأكدت الجمعية أن استمرارها في هذا العمل مرهون باستمرار تدفق التبرعات، محذرة من أن الاحتياجات الحالية تتجاوز بكثير ما يمكن توفيره في الظروف الراهنة.
تدهور حالة المرضى
يُعدّ مرض السرطان من الأمراض الدقيقة التي تتطلب التزامًا صارمًا بالخطة العلاجية، إذ إن أي تأخير في تلقي الجرعات أو تعديل البروتوكول الطبي قد ينعكس سلبًا على فرص الشفاء. وأوضح الطبيب بليغ غرز الدين لعنب بلدي أن المريض الذي لا يحصل على جرعته في موعدها قد تتفاقم حالته وتقلّ استجابته للعلاج، وقد ينتقل من مرحلة مرضية إلى أخرى أكثر تقدمًا، كأن يتحول مريض من الدرجة الثانية إلى الثالثة، مشددًا على أن البروتوكول العلاجي يجب أن يُتبع بدقة.
وأشار غرز الدين إلى أن الاستجابة للعلاج قد تنخفض من 70% إلى 40% في حال تأخرت الخطة العلاجية، لافتًا إلى أن العلاج السرطاني ليس إسعافي الطابع، بل علاج طويل الأمد، لكن أي تأخير في الجرعة يضعف فعاليته ويؤدي إلى تدهور حالة المريض على المدى البعيد.
وعلى إثر انقطاع الأدوية في المحافظة، فارقت شهيرة فياض الطرودي عزام الحياة، الاثنين 11 آب، في منزلها، بسبب تأخر جرعاتها عن الخطة العلاجية المخصصة لها ما أدى لتدهور حالتها الصحية، بحسب شقيقها.
ونفى الطبيب ما تردد عن رفض مستشفى البيروني الجامعي استقبال المرضى، واصفًا هذه المزاعم بغير المنطقية، موضحًا أن الحافلة التي كانت تقل مرضى الأورام توقفت في منطقة جرمانا ولم تتمكن من العودة إلى السويداء بسبب الأوضاع الأمنية، قبل أن يصل جميع ركابها لاحقًا إلى المحافظة. وكانت أنباء قد انتشرت سابقاً عن رفض مستشفى البيروني استقبال قافلة من مرضى السرطان القادمين من السويداء، لكن المستشفى أصدرت بيانًا نفت فيه هذه المعلومات.
وتزامنت الأزمة مع توتر أمني في السويداء بين الفصائل المحلية وقوات الأمن العام ومسلحين من عشائر البدو، ما تسبب في إغلاق الطريق الرئيسي نحو العاصمة، وأدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، ليس فقط على مرضى السرطان، بل على عموم الأهالي الذين يواجهون نقصًا في الأدوية والمستلزمات الطبية والغذائية.
“خط النار” يضغط على مستشفيات السويداء ودرعا