لا تزال قوافلنا الخضراء تسير في ممرات أثيرية لإنقاذ منكوبي العالم، فور إطلاق الأمر السامي الملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في 13 مايو 2015، بتأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي يُعد أول مركز إغاثي في المملكة، ومقره العاصمة السعودية الرياض.
ولا يتخطى المركز الحدود الجيوسياسية فحسب، بل يتخطى الحدود الدينية والقومية، بنهر لا ينقطع من المساعدات الإنسانية كالغذاء والماء والدواء والمأوى، والمساعدات اللوجستية الأخرى. فالأسطول الأخضر يضم مئات من الأطباء والمتخصصين لإنشاء المستشفيات الميدانية لمساعدة المرضى والمصابين في أي مكان على ظهر البسيطة.
فدور مركز الملك سلمان الإغاثي قد ينافس المنظمات العالمية كالأمم المتحدة، والهلال الأحمر، والصليب الأحمر، مع الاختلاف العميق في التوجهات والأجندات السياسية.
زراعة القوقعة السمعية
يُعد مركز الملك سلمان للإغاثة واحدًا من أبرز الجهات المختصة في زراعة القوقعة السمعية عالميًا، حيث أطلق برنامجًا تطوعيًا ضخمًا تحت اسم “سمع السعودية”، والذي يهدف إلى إعادة حاسة السمع للأطفال الذين يعانون من فقدانها، وذوي الإعاقة في العديد من دول العالم. وقد قام البرنامج بزراعة 1000 قوقعة إلكترونية في عدد من الدول الإفريقية.
ولا يقتصر الأمر على إعادة حاسة السمع جراحيًا فحسب، بل قام المركز بتوفير خدمات تأهيل النطق والتخاطب للأطفال المستفيدين، كذلك تدريب الأسر على مهارات التخاطب والدعم السمعي، بما يسهم في دمج الأطفال في المجتمع.
وكانت أول عملية زراعة قوقعة دون تخدير أجراها فريق طبي سعودي متخصص تابع للمركز، إنجازًا طبيًا وإنسانيًا غير مسبوق على مستوى العالم، والتي أُجريت لمريض في كينيا، ضمن برنامج “سمع السعودية”.
وتوالت نجاحات الفريق الطبي في زراعة القوقعة السمعية في العديد من الدول؛ ففي كينيا أُجريت 28 عملية، بينما أُجريت 40 عملية زراعة قوقعة في الأردن، أما تركيا فأُجريت فيها 66 عملية قوقعة سمعية خلال 20 ساعة فقط في مدينة الريحانية. كما نفّذ الفريق 27 عملية زراعة قوقعة ناجحة في السنغال، وأطلق المركز حملة زراعة القوقعة بالتعاون مع منظمة “الأمين” في تونس لإجراء عمليات للأطفال المحتاجين.
الاستدامة
ولم يقتصر دور هذا النهر الأخضر على بثّ الحياة في شرايين الأراضي المنكوبة في كل صوب فحسب، بل حرص على تخصيب تلك الأراضي لتنميتها بصورة مستدامة؛ فأخذ في تشييد المدارس لغرس بذور المعرفة في العقول والقلوب التي تصحّرت بفعل الحروب والنزاعات، مع توفير لقمة العيش بالعمل الشريف من خلال مشاريع التنمية المستدامة طويلة الأجل في أكثر من 90 دولة حول العالم، والتي كان من أبرزها: اليمن، وسوريا، والسودان، وباكستان، وفلسطين، وغيرها.
وقد كرّست مملكتنا الحبيبة، بتوجيه من سيدنا ومولانا وولي عهدنا محمد بن سلمان – حفظه الله – كل جهودها الحثيثة في خدمة جميع القضايا الشائكة حول العالم، ونُصرة المنكوبين من الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية، حيث خصصت أساطيل جوية للإغاثة العاجلة، كذلك أساطيل نقل ثقيلة للإغاثة الشاملة والعمل الميداني، التي تتمركز في النقاط المنكوبة حول العالم، ثم تنتشر على شكل حملات لتغطية أكبر المساحات الممكنة منها، تمامًا كما تفعل الجيوش النظامية.
ولكن جيوشنا الخضراء جاءت إليكم لتجفف دموعكم، وتطمئن قلوبكم، وتوفر الأمن والأمان لأطفالكم. هكذا أمرنا ديننا الحنيف، وهكذا تظل راية التوحيد خفّاقة في قلوب الناس إلى يوم الدين.