الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 10:17 PM

مزارعو ريف حلب يصارعون الجفاف وارتفاع التكاليف: موسم زراعي "مرهق" يهدد سبل العيش

مزارعو ريف حلب يصارعون الجفاف وارتفاع التكاليف: موسم زراعي "مرهق" يهدد سبل العيش

يواجه مزارعو ريف حلب تحديات جمة تهدد استمرارهم في مهنة الزراعة، التي تعد مصدر رزقهم الأساسي. فارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، وتدهور شبكات الري، وصعوبة تسويق المنتجات، جعلت الموسم الحالي "مرهقًا" بالنسبة لهم.

في قرية العيس بريف حلب الجنوبي، يواجه المزارعون تحديات متزايدة بسبب الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج. وأوضح محمود السرحان، أحد مزارعي المنطقة، أن الزراعة البعلية، التي تعتمد كليًا على مياه الأمطار، شهدت موسمًا "صفريًا" هذا العام، حيث لم تنجح المحاصيل في النمو على الرغم من حراثة الأراضي وزراعتها بمحاصيل مثل الكمون. ويعود ذلك إلى انقطاع الأمطار وفشل محاولات الري بالوسائل البديلة بسبب محدودية الموارد.

أما في المناطق التي تعتمد على الآبار الجوفية، فإن أزمة المحروقات تمثل عائقًا رئيسيًا، حيث يتطلب تشغيل مضخات المياه كميات كبيرة من المازوت، بينما لا يكفي العائد من المحصول لتغطية هذه التكاليف. وينطبق الوضع ذاته على الأراضي التي تعتمد على مياه الأنهار، حيث انخفض منسوب المياه في نهر "قويق"، مما أجبر المزارعين على استخدام مضخات تعمل بالمازوت لسحب المياه، وهو ما زاد من حجم النفقات.

وفيما يتعلق بمحصول القمح، أشار محمود إلى أن ارتفاع أسعار الأسمدة وصعوبة تأمين مياه الري دفعا المزارعين إلى الاكتفاء بسقاية الأراضي مرة واحدة بدلًا من ثلاث مرات كما يقتضي الإنتاج الجيد. كما ساهمت هذه التحديات في عزوف المزارعين عن محاصيل تحتاج إلى عمالة أكبر مثل القطن، الذي يتطلب ريًا متكررًا وتكاليف إضافية. وتواجه زراعة الخضراوات، التي تعتمد غالبًا على الآبار، عراقيل مشابهة بسبب غياب أنظمة طاقة بديلة لتشغيل مضخات المياه، مما يضطر المزارعين إلى الاعتماد على المولدات العاملة بالمازوت، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية.

وتتفاقم الخسائر مع مرحلة تسويق المحاصيل، حيث يواجه المزارعون ضغوطًا من تجار سوق "الهال" الذين يفرضون أسعارًا منخفضة لا تغطي التكاليف الأساسية للإنتاج. وطالب محمود الجهات المعنية بتقديم تسهيلات حقيقية، تشمل دعم أسعار المازوت والأسمدة والمبيدات، لتخفيف الأعباء عن المزارعين وضمان استمرار العمل الزراعي.

أما في مسكنة بريف حلب الشرقي، فخفض المزارع عبد الله الجاسم مساحة الأرض المزروعة هذا العام إلى النصف بسبب التكاليف المتصاعدة وصعوبة تأمين مياه الري. ووصف عبد الله الموسم الحالي بـ"المرهق"، بسبب نفقات المحروقات وارتفاع أسعار الأسمدة. وأشار إلى أن نقص الدعم الفني وغياب الإرشاد الزراعي زادا من سوء الأوضاع، خاصة مع موجات الجفاف المتكررة. وقد تدفع هذه التحديات المتراكمة بعض المزارعين إلى ترك أراضيهم بلا فلاحة، بينما لجأ آخرون إلى العمل بأجور يومية في ورشات البناء أو معامل الطوب لتغطية نفقات أسرهم. وفي ظل غياب حلول جذرية، يترقب الفلاحون أي خطوات عملية من مديرية الزراعة تعيد إليهم القدرة على الاستمرار في زراعة أراضيهم خلال المواسم المقبلة.

وذكر مدير دائرة جبل سمعان الزراعية التابعة لمديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بحلب، عبد الرزاق الطالب، أن القطاع الزراعي في محافظة حلب يواجه مجموعة من التحديات التي عاقت تعافيه بعد سنوات الحرب. وبحسب الطالب، تمثلت أبرز الصعوبات في ارتفاع تكاليف تجهيز وتأهيل الآبار الارتوازية بأنظمة الطاقة الشمسية، مما حال دون إدخالها في خطط الإنتاج، إلى جانب الارتفاع الكبير في تكاليف مستلزمات الزراعة من بذار وأسمدة، وانخفاض أسعار المنتجات الزراعية. كما أشار إلى أن بعض المناطق التي كانت خطوط اشتباك سابقة ظلت تعاني من وجود سواتر ترابية وحقول ألغام عاقت وصول المزارعين إلى أراضيهم وزراعتها.

ووفقًا للطالب، فإن ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، مع تراجع البنى التحتية الزراعية، أجبر المزارعين حينها على البحث عن بدائل أقل تكلفة. ورغم توفر الأسمدة في الأسواق، فإن أسعارها المرتفعة دفعت كثيرين إلى الاعتماد على الأسمدة العضوية الناتجة عن مخلفات الأبقار والأغنام، كونها أقل تكلفة وأكثر استدامة. وعملت المديرية، بحسب الطالب، على إعادة تأهيل مشاريع الري الحكومية في بعض مناطق حلب ضمن خطط هدفت إلى حمايتها من التعديات وإعادتها إلى الخدمة. أما على صعيد الدعم، فقال الطالب إن هناك مساعدات وصلت عبر منظمات عاملة في القطاع الزراعي، ونُفذت مشاريع لتأمين بذار القمح والخضراوات، إضافة إلى دعم الثروة الحيوانية عبر العيادات البيطرية. وأضاف أن المديرية تعتزم إدخال التنظيم الزراعي بشكل أوسع لتقدير احتياجات المزارعين، وتعمل ضمن خطة لدعم محاصيل القمح والشعير وبعض الزراعات الأخرى التي أسهمت في تحقيق الاستقرار والأمن الغذائي.

وفيما يتعلق بتسويق المنتجات الزراعية، أوضح الطالب أن مديرية الزراعة ووزارة الزراعة عملتا على وضع رزنامة زراعية لتقدير احتياجات السوق المحلية من المحاصيل ومنع استيراد المنتجات في فترة إنتاجها، بهدف حماية الإنتاج المحلي. لكنه أشار إلى أن التذبذب في الأسواق المالية وارتباط بعض المحاصيل بمواسم قصيرة فاقما خسائر المزارعين بسبب زيادة العرض مقابل ضعف الطلب. أما عن تأثير التغيرات المناخية، فأشار الطالب إلى أن الموسم شهد خروج كامل المساحات البعلية عن الإنتاج نتيجة انقطاع الأمطار، في حين انخفضت إنتاجية المحاصيل المروية بسبب تراجع معدلات الأمطار وتذبذب درجات الحرارة خلال مراحل الإزهار ونمو السنابل. ونوه إلى أن المديرية عقدت ندوات إرشادية نبهت المزارعين إلى مخاطر هذه التغيرات، إلى جانب الترويج لاستخدام أساليب ري حديثة خففت من استنزاف الموارد المائية.

وفيما يتعلق بالمساحات المزروعة، بيّن الطالب أن حجم الأراضي المزروعة لم يتجاوز 60% من إجمالي المساحات المروية مقارنة بما قبل عام 2011، ويعود ذلك، بحسب الطالب، إلى الدمار الذي طال البنى التحتية وتراجع القدرة على تشغيل الآبار الارتوازية. أما الزراعة البعلية فغطت نحو 90% من الأراضي المتبقية، لكنها عانت من وجود سواتر ترابية وحقول ألغام في بعض المناطق. وتركز الإنتاج حينها على القمح والشعير، إلى جانب النباتات الطبية والعطرية وبعض الأشجار المثمرة التي تعرضت للتعديات خلال سنوات الحرب. وشهد القطاع الزراعي توسعًا ملحوظًا في زراعة الذرة الصفراء وبعض محاصيل الخضراوات في الأراضي المروية.

وكان مدير مؤسسة المياه في مدينة حلب، محمد جمال ديبان، أشار لعنب بلدي إلى تأثير ضعف الهطولات المطرية على مدينة حلب خلال ندوة بعنوان "واقع مياه الشرب بمحافظة حلب" في 28 من أيار الماضي. وأوضح ديبان حينها أن الأثر لا يظهر مباشرة على المياه المخصصة للاستهلاك المنزلي، بل ينعكس على مصادر المياه الجوفية والآبار وبالتالي على الزراعة.

مشاركة المقال: