الخميس, 5 يونيو 2025 10:28 PM

مستقبل مُخيّم الهول على المحك: تفاهمات دولية وجهود سورية لإدارة الملف

مستقبل مُخيّم الهول على المحك: تفاهمات دولية وجهود سورية لإدارة الملف

تتجه الأنظار نحو مخيم الهول بريف الحسكة، شرقي سوريا، حيث تكثّف الحكومة السورية جهودها لاستلام إدارة هذا المخيم من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في خطوة تأتي وسط تفاهمات أمريكية تركية وتحولات إقليمية ودولية. يعيش في المخيم أكثر من 50 ألف امرأة وطفل في ظروف شبه معزولة، مما يجعله مركز ثقل أمني وإنساني معقّد، مرتبطًا بمصير تنظيم "داعش"، إرث الحرب، ومسؤوليات الدولة في سوريا الجديدة.

جهود سيادية: الحكومة السورية وطموح السيطرة

تسعى الحكومة السورية، وفق مصدر خاص زار المخيم وتحدث لمنصة "سوريا 24"، لاستلام الملف بشكل كامل، في إطار مقاربة سيادية تهدف إلى إعادة الدولة إلى كل الأراضي والملفات الحساسة. وتتزامن هذه الجهود مع تراجع مؤشرات الوجود الأمريكي شرق سوريا، وزيادة الضغوط على "قسد" لإعادة التموضع ضمن سياق تفاوضي مع دمشق. لكن التحديات الميدانية تبقى كبيرة، إذ لا توجد بعد بنية قانونية أو إنسانية واضحة لاستيعاب تعقيدات المخيم، حيث يتفاوت سكانه بين ضحايا التنظيم ونازحين اضطروا للجوء إلى المنطقة.

تفاهمات عابرة للحدود: الموقف الأمريكي والتركي

في واشنطن، لا تزال النقاشات في مراحلها الأولى، حسب مصدر خاص في وزارة الخارجية الأمريكية في حديثه لـ"سوريا 24". ويرى مسؤولون أمريكيون أن الحل المستدام الوحيد يكمن في إعادة النازحين والمحتجزين إلى بلدانهم، مع التركيز على تأهيل العائدين وإدماجهم، ومعالجة القضايا القانونية عند الحاجة. ومع عدم قدرة الولايات المتحدة على تحمّل العبء المالي للمخيمات بشكل دائم، تعمل واشنطن على تسهيل عودة النساء والأطفال بأمان. لكن مصدرًا في الحكومة السورية أشار لـ"سوريا 24" إلى عراقيل تواجه العملية، مؤكدًا أن الأمريكيين يدعمون تسليم المخيم للحكومة السورية، لكن "قسد" تماطل في هذا الشأن. من أنقرة، أبدى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دعم بلاده لهذه العملية، مؤكداً ضرورة أن تتولى الإدارة السورية الجديدة إدارة المخيمات والسجون التي تحتجز عناصر "داعش" وأسرهم، ودعا إلى تسليم مسلحي التنظيم إلى الدول التي يحملون جنسياتها، في خطوة تعكس تنسيقًا دوليًا لمعالجة هذا الملف.

الإدارة الذاتية: آلية مشتركة لإخراج العوائل السورية

في 26 أيار/مايو الماضي، أوضح شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في شمال وشرق سوريا، أن هناك نقاشات جرت مع الحكومة السورية في دمشق لإيجاد آلية مشتركة لخروج العوائل السورية من مخيم الهول وعودتهم إلى مناطقهم الأصلية. وذكرت الإدارة الذاتية في بيان أنها عقدت اجتماعًا ثلاثيًا في المخيم (25 أيار الماضي) ضم وفدين من الحكومة السورية والتحالف الدولي، إضافة إلى ممثلين عن الإدارة الذاتية، نتج عنه وضع آلية تنسيقية لإنهاء معاناة النازحين وإعادة العوائل إلى مناطقها، مع تأكيد الإدارة دعمها الإنساني غير المشروط لهذه العودة.

بين الأمل والإحباط: صوت سكان المخيم

داخل المخيم، يعيش السكان بين الأمل والإحباط، إذ رحّب أبو أحمد، أحد قاطني المخيم، بمبادرة الحكومة السورية واصفًا إياها بخطوة طال انتظارها، لكنه عبّر عن خيبة أمل إثر مغادرة الوفد الحكومي دون اتخاذ إجراءات فعلية أو لقاء مباشر مع السكان. بدورها، عبّرت أم علي عن تفاؤل حذر، قائلة إن زيارة الوفد أحيت الأمل بالخلاص من الواقع المرير الذي يعيشونه منذ سنوات، مضيفة: "نعلّق آمالنا بالله أولًا، ثم بالحكومة السورية، التي نثق بأنها تبذل ما بوسعها للدخول إلى جميع المناطق، ونتمنى أن تثمر هذه الزيارة خطوات عملية في الأيام القادمة، بإذن الله تعالى".

أصوات النساء: رغبات متباينة ومخاوف مشروعة

تعكس آراء النساء في المخيم تنوّع التحديات. ووفق "علا" (اسم مستعار)، وهي إحدى العاملات في منظمات المجتمع المدني، فإن السوريات يعبرن عن رغبة واضحة في العودة إلى مناطقهن في أقرب وقت، بينما يسود القلق بين العراقيات خوفًا من العودة إلى بلدهن لأسباب أمنية واجتماعية. وبدلاً من ذلك، تلجأ بعضهن إلى طرق التهريب غير الشرعية، رغم تكلفتها الباهظة التي قد تصل إلى 20 ألف دولار، أملاً في الوصول إلى تركيا أو أوروبا. وتشير "علا" إلى أن الزيارات والاجتماعات تمنح أملًا مؤقتًا يتلاشى سريعًا في ظل غياب تغيير ملموس، حيث ترى كثيرات أنها مجرد إجراءات سياسية لا تعكس اهتمامًا حقيقيًا بوضعهن القاسي.

واقع المخيم: دعم مؤقت وتكتم إداري

وكشف مصدر في إدارة المخيم لـ"سوريا 24" عن زيارات لوفود إعلامية لتفقّد الواقع الإنساني والخدمي، مع تعليمات صارمة للموظفين بعدم التصريح لوسائل الإعلام والإبلاغ عن أي تواصل معها. ويستمر الدعم الأمريكي للمخيم حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025، ضمن جهود دولية لتحسين أوضاع النازحين. من جهة أخرى، يتداول العراقيون في المخيم أنباء عن استعدادات لرحلة قريبة لنقل دفعة من العائلات إلى العراق، مما يعزز التكهنات بتحركات وشيكة.

مستقبل غامض: "داعش" والتحدي الأمني

على الصعيد الأمني، يبقى السؤال الأبرز: ماذا لو انسحبت الولايات المتحدة؟ يرى المحلل السياسي عرابي عرابي في حديثه لـ"سوريا 24" أن انسحاب القوات الأجنبية قد يكون فرصة لإنهاء ملف "داعش"، إذ ستتفرغ الحكومة لمواجهة التنظيم الذي يسعى لإعادة إنتاج نفسه عبر خلاياه النائمة والسجون والمخيمات غير المؤمنة. ويضيف أن استعادة السيطرة تتطلب قرارًا سياسيًا دوليًا، تفاهمات مع "قسد"، وانسحاب التحالف، وهي مؤشرات بدأت تلوح في الأفق.

اتفاق وتفاهمات مؤجلة

وفي سياق متصل، كان من المنتظر أن يُناقش ملف مخيم الهول خلال الاجتماع الذي عُقد في دمشق، وضم وفدًا من الحكومة السورية ووفدًا ممثلًا عن قوات "قسد". وحسب مصدر خاص لـ"سوريا 24"، فإنه لم يُناقش هذا الملف، وتم تأجيله لمتابعته من قبل اللجنة الأمنية المكلفة بتنفيذ بنود الاتفاق مع "قسد"، حيث خلُص الاجتماع إلى الاتفاق على عقد لقاء قريب لمتابعة ما تم التفاهم عليه.

الداخلية السورية: لا تعليق

تجدر الإشارة إلى أن "سوريا 24" حاولت التواصل مع مصادر في وزارة الداخلية السورية للتعليق حول دور الوزارة تحديدًا في الملف الأمني داخل مخيم الهول، وكذلك فيما إذا كان هناك تنسيق مباشر مع جهات دولية أخرى، لكنها اعتذرت عن الإجابة أو توضيح أي تفاصيل موسعة تتعلق بهذا الموضوع.

نحو حلول جذرية؟

تتسارع التطورات، وتتعلق الآمال بخطوات عملية تنهي معاناة سكان المخيم وتضع حدًا لتعقيداته الأمنية والإنسانية. لكن الطريق يبقى طويلًا، مع أسئلة مفتوحة: كيف ستُعاد هيكلة المخيم؟ من سيُحاسب ومن سيُدمج؟ وهل ستتمكن الحكومة السورية من بسط سيطرتها الكاملة؟ الإجابات مرهونة بخطط مؤسساتية وتنسيق دولي، في ظل واقع معقّد ينتظر حلولًا جذرية.

مشاركة المقال: