لطالما شكلت ألبسة "البالة" ملاذاً للغالبية الساحقة من السوريين، مع ارتفاع تكاليف الألبسة الجديدة وتراجع مستويات الدخل وتزايد الصعوبات المعيشية، في مجتمع تبلغ نسبة الطبقة الفقيرة فيه أكثر من 90% من عموم السكان، وفقاً لتقديرات أممية.
وبعد تحرير البلاد من سلطة النظام البائد، اتخذت الحكومة الجديدة قراراً بمنع استيراد الألبسة المستعملة، مطلع شهر آذار الماضي، من أجل حماية الصناعة الوطنية، حيث تتميز سوريا في قطاع الألبسة منذ عقود، لكن تلك الصناعة باتت مهددة في الفترة الأخيرة بسبب سياسات الأسد.
وقد أثار قرار المنع جدلاً واسعاً بين السوريين وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود والعمال الذين يعتمدون عليها بشكل كبير، كما أضر ذلك بأصحاب المحال التجارية التي تعتمد على بيع هذا النوع من البضائع.
يقول الشاب محمود عزيز، إنه لجأ إلى افتتاح محل لبيع ألبسة البالة منذ عام 2022، في إحدى أحياء مدينة إدلب، بعيداً عن السوق الرئيسية، وذلك لسببين أولهما ضعف رأس المال المتاح بين يديه، وثانيهما قلة المخاطر في تلك التجارة. وأوضح الشاب أن التكاليف المحتملة في الإقدام على أي مشروع باتت مرتفعة، بسبب غلاء أسعار الإيجارات، وقلة ذات اليد لدى أغلب السكان وبالتالي انخفاض المبيعات، لذا فقد اختار فتح دكان متواضع لبيع هذا النوع الرخيص من الألبسة.
وقال إنه عمل بشكل جيد طيلة تلك السنوات، وحقق دخلاً يكفيه وعائلته، لكنه بات بلا عمل بعد ذلك القرار الذي يرى أنه ليس في صالح غالبية السكان. وأدى منع استيراد البالة إلى نقص في المعروض من الملابس المستعملة، وبالتالي ارتفاع أسعار الملابس المحلية والمستوردة، وكان التأثير الأكبر على أصحاب الدخل المحدود، خصوصاً مع اقتراب عيد الأضحى مع ضعف القدرة الشرائية للمواطنين السوريين.
يرى أبو محمود، تاجر الألبسة في ريف إدلب الشمالي، أن قرار منع استيراد المستعمل جاء بدون إتاحة البديل، فالبلد لم تتعافى بعد، وما يزال الإنتاج يعاني مشاكل جمّة، والسوق يعتمد على الألبسة والقماش الأجنبي إلى حد كبير. ويقول إنه ربما كان ليحمي الصناعة الوطنية بعد عودة عجلة الإنتاج للدوران، ودخول التعافي الاقتصادي مرحلة أوسع، لكنه اليوم تسبب بارتفاع الأسعار دون تأمين حلول.
وكانت سوريا حتى وقت قريب من البلدان المصدرة للألبسة، حيث انتشرت على مدى عقود مضت مئات المعامل بمختلف أشكالها خاصة في حلب ودمشق. وتسهم هذه الصناعة في رفد الاقتصاد الوطني بما لها من تاريخ طويل وخبرة وعراقة، كما تسهم في توفير فرص العمل، حيث تنتج معامل الألبسة في سوريا مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك الملابس التقليدية والعصرية للرجال والنساء والأطفال، وتتميز منتجاتها بجودتها العالية واستخدامها لمواد خام جيدة.