الأحد, 5 أكتوبر 2025 02:57 PM

من البرلمان السوري إلى أمريكا: ترشح حاخام يهودي يثير تساؤلات حول التمثيل اليهودي في سوريا

من البرلمان السوري إلى أمريكا: ترشح حاخام يهودي يثير تساؤلات حول التمثيل اليهودي في سوريا

أثار إعلان الحاخام السوري الأمريكي “هنري حمرا” عن ترشحه لانتخابات مجلس الشعب المقرر إجراؤها يوم غد الأحد، دهشة الكثيرين ممن لم يسمعوا من قبل عن الوجود اليهودي في “سوريا” وتمثيل المواطنين السوريين اليهود في المجالس النيابية. على الرغم من ذلك، يكشف تاريخ المجالس التشريعية في “سوريا” عن وصول ثلاثة نواب يهود إلى مقاعد البرلمان منذ بداية تشكل الدولة السورية وحتى عام 1947.

في عام 1918، لم يتجاوز عدد اليهود في “سوريا” 15 ألف شخص، إلا أنهم حصلوا على مقعد يمثلهم باسم “الطائفة الموسوية” مع تشكيل “المؤتمر السوري العام” في عام 1919، وذلك إثر استقلال سوريا عن الدولة العثمانية وإعلان قيام الدولة العربية فيها، خلال الفترة التي تعرف بـ “العهد الفيصلي” نسبة إلى الأمير “فيصل بن الحسين” الذي نصب ملكاً على “سوريا”.

لم يقتصر المؤتمر على “سوريا” بحدودها الحالية، بل ضم ممثلين عن “الأردن” و”لبنان” و”فلسطين” أيضاً، باعتبار “بلاد الشام” دولة عربية واحدة. هذا الوضع تغير مع فرض الانتداب الفرنسي على “سوريا” و”لبنان” والانتداب البريطاني على “الأردن” و”فلسطين”، وتحول “المؤتمر السوري العام” إلى جمعية تأسيسية وضعت أول دستور لـ “سوريا” عام 1920.

التمثيل الأول لليهود.. يوسف لينادو

شهد هذا المؤتمر، على الرغم من عمره الزمني القصير الذي يقدر بـ 13 شهراً، انتخاب اليهودي السوري “يوسف لينادو” نائباً عن دمشق، ليصبح “لينادو” أول برلماني يهودي يدخل البرلمان السوري.

لكن الانتداب الفرنسي سرعان ما أنهى تجربة المؤتمر السوري، وفرض تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة يعين لها مجالس تمثيلية. في عام 1923، عين المفوض السامي الفرنسي مجلساً تمثيلياً لـ “دمشق” دون ضم أي ممثل لليهود فيه.

لينادو يعود للبرلمان في 3 نسخ

أصدر المفوض السامي “هنري بونسو” القرار رقم 1889 بتاريخ 20 آذار 1928، والذي قضى بتشكيل مجلس نيابي.

تشكلت حكومة برئاسة “تاج الدين الحسيني” الذي أصدر بدوره القرارين (رقم 29 و35) اللذين حددا نواب المناطق الانتخابية والطوائف التي ينتسبون إليها.

كانت حصة نواب دمشق وضواحيها من الجمعية التأسيسية المتشكلة بموجب قرار المفوض على النحو التالي: 10 من الطائفة السنية، 1 من الروم الأرثوذوكس، 1 من الروم الكاثوليك، 1 من الطائفة اليهودية.

حينها فاز اليهودي “يوسف لينادو” أيضاً بالمقعد النيابي عن “الطائفة الإسرائيلية” وعن الكتلة الوطنية في آن واحد، وذلك من أصل 70 نائباً.

يذكر أن “لينادو” كان عضواً في لجنة تدقيق الاقتراع، وانتخب عضواً في اللجنة الدستورية المؤلفة من 27 عضواً برئاسة “هاشم الأتاسي”، وفقاً لما يرويه شمس الدين العجلاني في كتابه “يهود دمشق الشام”.

سجلت ليوسف مناقشة جرت له في جلسة الجمعية بتاريخ 23 حزيران 1929 حول النظام الداخلي لها، وكان يخوض الانتخابات البرلمانية ضمن قائمة “الكتلة الوطنية” ويتقاضى راتباً شهرياً من المجلس النيابي قدر بـ 135 ليرة سورية ذهبية.

تعطلت الجمعية التأسيسية بموجب قرار المفوض السامي بتاريخ 3 آذار 1929 حتى عام 1932. وفي ذلك الوقت أصبح البرلمان يعرف بمجلس النواب وفقا لدستور سوريا 1930 والمادة 30 منه.

عاد “يوسف لينادو” للمرة الثالثة إلى مجلس النواب عام 1932 عبر قرار المفوض السامي الذي حدد بموجبه نواب المناطق الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها، فكان نواب دمشق على الشكل التالي: 8 من الطائفة السنية، 1 من الروم الأرثوذوكس، 1 من اليهود.

كما أنه فاز للمرة الرابعة في مجلس النواب لعام 1936 عن دمشق وضواحيها، وكان عضواً في لجنة الاقتصاد الوطني، وفي اللجنة القضائية واللجنة الدستورية.

انتقال التمثيل اليهودي إلى حلب

شهد المجلس النيابي عام 1943 انتقال تمثيل المقعد اليهودي أو ما يعرف آنذاك بالمقعد الإسرائيلي، من دمشق إلى حلب.

حينها أصدر رئيس الحكومة “محمد عطا الأيوبي” مرسوماً حدد بموجبه نواب المناطق الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها، وانتقل مقعد اليهود الوحيد إلى مدينة حلب، من أصل 121 مقعداً نيابياً.

فكان المقعد من حصة اليهودي الحلبي “عزره أزرق”، الذي كان عضواً في اللجنة المالية والقضائية، كما شهد له اقتراح قانون بشأن ديون المصرف الزراعي وإحالته إلى اللجنة القضائية، كما قدم اقتراحاً بشأن المخصصات الممنوحة إلى المدارس الأهلية وإحالته إلى وزارة المعارف (الثقافة اليوم) وذلك خلال الدور التشريعي الثالث لعام 1943.

وفي عام 1946 كان عزره أزرق عضواً في اللجنة القضائية، ولجنة القوانين المالية وبقي العضو البرلماني اليهودي الممثل عن حلب حتى الاستقلال عن فرنسا.

أول نائب يهودي بعد الجلاء

تشكل أول برلمان عقب جلاء القوات الفرنسية عن سوريا عام 1947 برئاسة فارس الخوري الذي بقي رئيساً له حتى حله عبر انقلاب حسني الزعيم عام 1948.

حينها أصدر الرئيس “شكري القوتلي” مرسوماً برقم 588 حدد بموجبه عدد نواب الدوائر الانتخابية وتمثيلها الطائفي.

حيث عاد التمثيل اليهودي النيابي إلى دمشق، وذلك بفوز النائب اليهودي “وحيد مزراحي” والذي كان بدوره أيضاً على قائمة رابطة العلماء برئاسة أبو الخير الميداني. وكان عضواً في لجنة المعارف وفي لجنة الشؤون الاجتماعية بآن معاً.

ويوثق موقع “التاريخ السوري المعاصر” مداخلة للنائب “وحيد مزراحي” في تشرين الثاني 1947 استنكر فيها قرار تقسيم فلسطين، وقال أن اليهود في سوريا يتمتعون منذ قرون بالمساواة مع بقية الطوائف في الحقوق والواجبات، ويصون حقوقهم دستور ديمقراطي صحيح، مشيراً إلى أن أبناء الطائفة الإسرائيلية في سوريا يستنكرون أعمال “الصهيونية” ويعتبرونها عقيدة سياسية غربية منفصلة عن الدين ولا تتفق مع عادات وأخلاق اليهود العرب، مؤكداً أن اليهود السوريين بريئون من أعمال الصهيونية ولا يتفقون معها وسيكونون في مقدمة المجاهدين العاملين لدفع أذاها عن البلاد.

بينما لعب التوزيع الطائفي لمقاعد البرلمان دوراً أساسياً في حجز مقعد لليهود في مجلس الشعب، فقد ألغي هذا التمثيل مع تشكيل مجلس الشعب عام 1949 والذي ألغى تمثيل اليهود في المجلس، والذي استمر أكثر من 7 عقود من الزمن.

لكن الانتخابات المزمع إجراؤها غداً شهدت عودة مفاجئة لليهود مع ترشح “هنري حمرا” للمجلس رغم غياب الحضور اليهودي عن “سوريا”، حيث تقول المصادر أن أعداد اليهود الذين لا زالوا مقيمين داخل البلاد اليوم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ما يثير تساؤلات عن الفئة التي يسعى “حمرا” لتمثيلها في وقت لا يقدم فيه نفسه كمرشح عن حزب أو تيار سياسي.

ورفع “حمرا” شعارات في برنامجه الانتخابي تتمحور حول دعم الجاليات السورية في الخارج، وترسيخ صورة سوريا الجديدة، وإعادة الاعتبار للجالية اليهودية في سوريا.

ووعد الحاخام اليهودي الذي يحمل الجنسية الأمريكية بدعم كل الجهود الهادفة لرفع عقوبات “قيصر” عن “سوريا”، وإطلاق مبادرات استثمارية بالشراكة مع رجال أعمال من اليهود السوريين في العالم لدعم الاقتصاد الوطني.

سناك سوري _ هبة الكل

مشاركة المقال: