كان سد الجوادية في ريف الحسكة يمثل على مدى سنوات طويلة معلماً بيئياً واجتماعياً بارزاً، ومكاناً يجتمع فيه الأهالي. لم يكن السد مجرد خزان مياه، بل كان متنفساً طبيعياً ومكاناً للرحلات العائلية، بالإضافة إلى كونه شرياناً أساسياً للحياة الزراعية في المنطقة. ولكن مع مرور السنوات، فقد السد تدريجياً دوره الحيوي، حتى وصل إلى الجفاف الكامل، مما خلف أثراً عميقاً على حياة السكان واقتصادهم المحلي.
متنفس للأهالي وملتقى اجتماعي
تحدث أبو المؤيد لمنصة إخبارية عن ذكريات السد قائلاً: "كان وجود السد يشكل متنفساً لجميع سكان المنطقة، حيث كان الأهالي يقصدونه للراحة وتغيير الأجواء، ويجلبون أطفالهم للعب حوله في أجواء من الخضرة والأشجار الكثيفة." وأوضح أن السد كان مقصداً للزوار من مختلف المناطق، سواء للتنزه أو لصيد الأسماك التي كانت متوافرة بكثرة، مضيفاً: "المكان كان يجمع الناس ويمنحهم شعوراً بالحياة. الأراضي المحيطة كانت تُروى بمياه السد وتتحول إلى بساط أخضر ممتد، ما أضفى جمالية وسعة على المشهد."
لكن هذه الصورة تغيرت تدريجياً، إذ بدأت بعد سنوات قليلة من اندلاع الثورة عمليات قطع الأشجار وبيعها، الأمر الذي أفقد السد جزءاً من جماله الطبيعي. ثم جاءت الكارثة الأكبر مع جفاف السد بشكل كامل. وأضاف أبو المؤيد: "لم يعد هناك ماء ولا حياة كما في السابق. الغريب أن عام 2019 شهد امتلاءً غير مسبوق للسد، حتى بدا وكأنه يفور بالمياه بشكل أدهش الجميع، أما اليوم فالوضع مأساوي؛ مكان مهجور يذكّرنا فقط بأيام جميلة مضت."
ضربة قاسية للمزارعين
من جانبه، تناول أبو فادي، وهو مزارع من أبناء المنطقة، البعد الاقتصادي للجفاف قائلاً: "كنا نعتمد على مياه السد بشكل كبير لري أراضينا، وهو ما كان يوفر علينا مصاريف ضخمة من مازوت وكهرباء ومضخات. السد كان يسهل العمل ويضمن لنا استقراراً زراعياً. أما بعد الجفاف، أصبحنا مرغمين على الاعتماد على الآبار ومولدات المازوت، ما حمّلنا أعباء كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الصيانة."
وأشار إلى أن المياه الجوفية لا تعوّض غياب السد، فهي أقل كفاءة وتنقص عاماً بعد عام، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بشكل واضح. وأضاف: "كنا نزرع الخضار والحبوب ونعيش منها، لكن اليوم تراجع الإنتاج لدرجة دفعت الكثير من الفلاحين إلى ترك أراضيهم لأنها لم تعد مجدية."
ولفت أبو فادي إلى أن تأثير الجفاف تجاوز الزراعة ليطال الثروة الحيوانية والبيئة بأكملها، إذ تراجعت المراعي الطبيعية بشكل ملحوظ، كما فقد كثير من الأهالي مصدر رزقهم القائم على صيد الأسماك من مياه السد.
محاولات إنقاذ لم تكتمل
قبل جفاف السد بشكل كامل، سعى أهالي الجوادية إلى إعادة إحياء المنطقة عبر إطلاق حملات تشجير واسعة في محيطه، بهدف استعادة جماله والحفاظ على بيئته. ورغم أن هذه الجهود أثمرت عن تحسين محدود في البداية، فإن الجفاف اللاحق أفقدها معظم تأثيرها، تاركاً السد اليوم مجرد ذكرى عن مكان كان رمزاً للحياة والوفرة.
يختصر سد الجوادية قصة تحوّل بيئي واجتماعي واقتصادي كبرى عاشتها المنطقة، من واحة طبيعية ومورِد أساسي للأهالي، إلى مساحة جرداء تذكّرهم فقط بسنوات الخير التي رحلت.