سركيس قصارجيان
توالت التصريحات التركية المندّدة باحتجاز إسرائيل لسفينة "مادلين" واعتقال نشطائها الاثني عشر، بينهم التركي شعيب أردو، في بياناتٍ رافقتها تحرّكات دبلوماسية من السفارة التركية في تل أبيب.
أعادت حادثة "مادلين" إلى الأذهان مأساة سفينة "مرمرة الزرقاء" عام 2010، التي جرّت تل أبيب إلى المحاكم الدولية وانتهت بدفع تعويضات لعائلات الضحايا الأتراك، لكنها أعادت كذلك إلى الواجهة جدلية الازدواجية التركية بين التنديد الرسمي باستمرار العلاقات مع إسرائيل، والمضي فعلياً في التبادل التجاري معها.
حظر تركي على الورق
رغم تشديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تفرض حظراً تجارياً على إسرائيل، وهو ما يكرره الوزراء الأتراك باستمرار، إلا أن الأرقام والبيانات الرسمية تشير إلى استمرار هذا التبادل التجاري، وإنْ عبر تحويله إلى قنوات غير مباشرة تشمل فلسطين ودولاً أخرى. فمنذ إعلان أنقرة فرض الحظر في نيسان/أبريل 2024، شهد حجم التجارة مع فلسطين ارتفاعاً غير منطقي، ما عزز الشكوك بشأن مصداقية الرواية الرسمية.
وكشف تقرير للبنك الدولي في أيار/مايو 2024 عن تدهور حاد في الاقتصاد الفلسطيني، مع فجوة تمويلية بلغت 682 مليون دولار، وأشار وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العمور إلى أن الخسائر اليومية للاقتصاد الفلسطيني تُقدّر بنحو 20 مليون دولار بسبب الممارسات الإسرائيلية.
ورغم هذا الانهيار، أظهرت بيانات "جمعية المصدرين الأتراك" ارتفاعاً في التجارة مع فلسطين بنسبة 672% في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ومن بين أبرز السلع المصدّرة: الحديد، الإسمنت، المجوهرات، السجاد، والمنتجات الجلدية.
كما حلّت تركيا في المرتبة الخامسة ضمن لائحة أكبر الدول المصدّرة إلى إسرائيل عام 2024، بعد كل من الصين، الولايات المتحدة، ألمانيا، وإيطاليا، إذ بلغت قيمة الصادرات التركية نحو 3 مليارات دولار، وفق بيانات "الأمم المتحدة للتجارة العالمية" الصادرة في أيار/مايو الماضي.
ويؤكّد نشطاء معنيون بملف المقاطعة التجارية أن شركات تركية لا تزال تزوّد إسرائيل بمواد مثل الصلب والإسمنت والمنسوجات، عبر إبراز بيانات جمركية تشير إلى أن الشحنات موجّهة إلى فلسطين أو إلى دول ثالثة.
وفي هذا السياق، وجّهت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، المحامية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيزي، نداءً عبر منصة "إكس" إلى الحكومة التركية تطالب فيه بإيقاف شحنة صلب على متن سفينة "بيلا" الإسبانية، التي كانت قد وصلت إلى ميناء مرسين التركي قادمة من برشلونة لتحميل 15 حاوية متجهة إلى ميناء حيفا.
ويقول نشطاء إن بعض السفن التي تغادر الموانئ التركية، تُعلن وجهات مثل موانئ أفريقية أو أوروبية، ثم تقوم بإغلاق نظام التعقب الملاحي عند الاقتراب من الحدود الإسرائيلية، لتظهر لاحقاً في الموانئ المُعلنة بعد أن تكون قد أفرغت شحنتها في الموانئ الإسرائيلية.
وفي تقرير له في آذار/مارس، قال البنك المركزي الإسرائيلي إن الحظر التركي أثّر تأثيراً طفيفاً للغاية على الاقتصاد الإسرائيلي، مشيراً إلى مرونة الاقتصاد المفتوح، دون التطرّق إلى وسائل التحايل على الحظر.
أرباح من وقود قصف غزة
بعيداً عن تجارة السلع، تواجه الحكومة التركية انتقادات شعبية تطالبها بوقف تصدير النفط الأذربيجاني إلى إسرائيل عبر موانئها.
ورغم إعلان أذربيجان وقف صادراتها النفطية المباشرة إلى إسرائيل استجابةً للضغوط التركية، ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن باكو وعدت تل أبيب بالاستمرار في تزويدها بالنفط، مشيرة إلى أن أذربيجان أزالت هذه الشحنات من سجلاتها الجمركية بعدما كانت قد بلغت أكثر من مليون طن في عام 2024.
ونقلت الصحيفة عن رئيس "مركز أبحاث النفط الأذربيجاني" إلهام شعبان قوله إن "خط أنابيب باكو–تبليسي–جيهان لا ينقل النفط الأذربيجاني فقط، بل يشمل نفطاً من دول أخرى ناطقة بالتركية".
وتُقدّر صادرات أذربيجان من النفط إلى إسرائيل بنحو 3 ملايين طن سنوياً، أي ما يعادل 15% من صادراتها النفطية، وهي تقريباً الكمية نفسها التي تستوردها إسرائيل من كازاخستان.
وفي زيارة الرئيس التركي لأذربيجان مطلع الشهر الحالي، شدد المستشار السياسي للرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف على استضافة باكو ثلاث جولات محادثات بين أنقرة وتل أبيب بشأن تخفيف التوترات بين البلدين في سوريا. وحين سُئل عن النفط المصدر إلى إسرائيل، تهرّب من الإجابة المباشرة، لكنه ذكّر بالدعم الإسرائيلي العسكري والدبلوماسي لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا، والتي انتهت بسيطرتها على ناغورني كارباخ.
ويقول الناشط ميتين جيهان لـ"النهار": "اجتماع أردوغان وعلييف وإطلاقهما تصريحات منددة بإسرائيل نفاق صارخ. أذربيجان تزوّد الطائرات التي تقصف غزة بالوقود، ونحن من نتولّى شحنه. وتربح شركة بوتاش التركية، التي يترأسها أردوغان، عمولة تبلغ 1.27 دولار لكل برميل نفط في هذه الصفقة".