إسمه عبد الله هاشم أبا الصادق، أو "قائم آل محمد"، وفقاً لما يلقّبه به أتباعه. هذا الرجل الملتحي، الغارق في الأسود من رأسه إلى أخمص قدميه، أطل في فيديو أخيراً، بعد وفاة رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس في 21 نيسان/أبريل 2025، ليعلن انه "البابا الشرعي الحقيقي"، "خليفة الإمام المهدي، وسمعان بطرس، والمعزي أحمد، ومحمد، ويسوع المسيح".
إعلان انتشر كالنار في الهشيم، واستفزّ كثيرين سارعوا إلى اتهامه بالتجديف وبأنه "المسيح الدجال"، محذرين منه وساخرين. "النهار" سألته عن هذه الاتهامات، وكان جوابه أن "الدجّال ليس الرسول الذي يسخرون منه، بل أميركا التي تُجبر الأمم على الركوع لها وعبادتها…".
بإعجاب، وبشيء من الذهول، ينظر اليه أتباع جلسوا أمامه، مسحورين به. رجال اعتمروا مثله قبعات سوداً وارتدوا ألبسة سوداء، ونساء كشفن عن شعرهن. يرفعون قبضاتهم معاً، هاتفين "لبيك يا أبا الصادق"، في مشهد سريالي. وتخرج الكلمات من فم عبد الله بإنكليزية واثقة، بصوت آلي"انا الحجة على المسيحيين، إبن المسلمين بأبي، وإبن المسيحيين واليهود بأمي. أنا ابن الشرق بأبي، وابن الغرب بأمي. أنا كالسلطان الذي له قرن في الشرق وقرن في الغرب، وأنا وارث كل ما بينهما. أنا أكثر علماً من أي بابا زائف، وأنا معيّن بالإسم وبإرادة الأنبياء".
كلام كبير يدلي به عبدالله هاشم ويكثر من الكلام. من يسمي نفسه زعيم دين "الإسلام والنور الأحمدي" (غير الجماعة الإسلامية الأحمدية المشتقة من السنة) يطلّ في تسجيلات مصوّرة تنتشر في مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي، عبر حسابات تابعة له ولأنصاره تعلن على الملأ أن "المهدي ظهر". ويدلي فيها بمواقف دينية جدلية، مثيرة للخلاف… والشكوك. صناعة دين جديد تجد وقودها في هذا المجتمع الإفتراضي الصاخب الذي لا يهدأ ولا ينام.
"رسالتي هي الرسالة ذاتها للأنبياء والمرسلين والأئمة الذين سبقوني، وهي دعوة الناس إلى سفينة النجاة كما فعل نوح في زمانه. إلا أن سفينة هذا الزمان هي الإمام المهدي وخلفاؤه المذكورون في وصية النبي محمد، عبد الله وأحمد والمهدي"، على ما يقول هاشم في مقابلة أجرتها معه "النهار"، في محاولة لتقصي أمره.
ويضيف: "رسالتي هي تحطيم أصنام هذا الزمان كما فعل إبراهيم في زمانه، إلا أن أصنام هذا الزمان هم العلماء غير العاملين. رسالتي هي الوقوف في وجه كل فرعون كما فعل موسى في زمانه، وهؤلاء الفراعنة هم الطغاة الذين يحكمون الشعوب الإسلامية، ولأقول لهم: أطلقوا شعبي. رسالتي هي شفاء العميان وإحياء الموتى كما فعل عيسى في زمانه، إلا أن العميان والموتى في هذا الزمان هم الذين خدعتهم المؤسسات الدينية والسياسية وزيّنت لهم الباطل. لقد جئت لأستأنف الإسلام جديداً كما فعل محمد، ولأقيم دولة عدل إلهي يقودها الحكام المنصّبون من الله".
متمرّد عبدالله هاشم. وفي المعلومات المتوافرة عنه، أنه ولد في 27 تموز/يوليو 1983، من أب مصري وأم أميركية. عام 2008، انتقل إلى وطنه الأم مصر، حيث سعى، بين عامي 2011 و2014، إلى جمع أنصار للإمام أحمد الحسن، تلك الشخصية الدينية الشيعية العراقية التي أعلنت أنها اليماني الموعود ولم تُرَ علناً منذ عام 2007، وإلى بناء منصة إعلامية لها.
عام 2015، وفي سن الـ32، كشف عبد الله هاشم أن أحمد الحسن كلّفه "رفع الرايات السود في المشرق" وإبلاغ العالم بظهور الإمام المهدي، الشخصية الأخروية التي وردت في النبوءات الإسلامية، والذي سيحكم العالم في آخر الزمان. وزعم هاشم أنه القائم الموعود لآل محمد.
وأتى وأتباعه بمسوّغ، نبوءة قديمة ربطوها بوفاة الملك السعودي عبد الله، وتقول إن الإمام المهدي سيظهر بعد وفاة ملك الحجاز (أي المملكة العربية السعودية) المسمى عبد الله، وتُحدده علامات معينة.
عام 2019، تأسّس دين "السلام والنور الأحمدي" رسمياً في الولايات المتحدة كمنظمة غير ربحية 501c3 ذات صفة كنسية. وعام 2022، انتقل مقره الرئيسي إلى إنكلترا.
في 12 نقطة، يعلن هاشم وأتباعه ما يؤمنون به، شارحين معتقداتهم، لا سيما بشأن حاكمية الله والإمام المهدي ووصية الرسول محمد والإمام أحمد الحسن. "نحن امتداد لجوهر دين الله الأصيل على هذه الأرض. نؤمن بحاكمية الله، وبأن الله وحده هو الذي ينصب الحاكم، وبأنه ينصب في كل زمان بابا وخليفةً ورسولاً وهادياً للخليقة…"، وفقاً للمكتوب. وفي النقطة ما قبل الاخيرة، يؤكدون إيمانهم بأن "رجلاً من الله ظهر بعد عام 2015م، احتج بوصية رسول الله ليلة وفاته، وهو قائم آل محمد المهدي الثاني (عبد الله هاشم أبا الصادق)".
وهو الرجل نفسه الذي يجذب الأضواء إليه، لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب الكلام المثير للجدل الذي يدّعيه عن شخصه. ما الذي حرّك زعامته الدينية تلك؟ يجيب: "لم يكن هذا الأمر شيئاً أتاني إلهام للقيام به ولا شيئاً اخترته أو تخيلت أنني سأقوم به، بل كان أمراً أُمرت به وبُعثت من أجله. لقد نصّبني محمد حين كتب إسمي في وصيته التي أملاها على علي في ليلة وفاته، وكان الإمام أحمد الحسن هو من عرّفني بهذه الحقيقة". بالنسبة إليه، دوره "كان اختياراً من الله. فأنا الوريث الشرعي للنبي، والوصية هي خطاب التنصيب الخاص بي، وقد أُمرت بأن أسترجع حقي المشروع، بموجب وصية النبي".
"لا أصل له" كل مرّة يتكلّم هاشم، ينطلق من اقتناعه بأنه المهدي المنتظر. كتاب "غاية الحكيم" الذي ألّفه، ويصفه أتباعه بأنه "انجيل أبي الصادق"، يُعتبر المرجع الأساسي لعقيدة دين "السلام والنور الأحمدي"، باباً يكشف رؤية هاشم الى العالم والآخرة.
وفي مانيفست المهدي "البيعة لله"، يحدّد هاشم أهدافه و"يعرض خريطة الطريق الأكثر فعالية لبناء دولة العدل الإلهي على الأرض"، على ما يكتب.
ولكن مهما تبحّر في أفكاره و"أدلته"، تبقى معتقداته مرفوضة رفضاً قاطعاً من رجال الدين وعلمائه، شيعة وسنة، وإعلانه أنه المهدي المنتظر مدان. ورداً على مزاعمه، يقول المفتي الجعفري في لبنان الشيخ أحمد طالب لـ"النهار" إن "لدى الشيعة مرجعيات دينية رسمية هي التي تحدّد من يكون المهدي المنتظر ومواصفاته، ضمن معايير وضوابط دقيقة جدا". وفي حالة هاشم، أفضل جواب على ادعاءاته هو "عدم إيلائه أي اهتمام". فالرجل "غير متّزن"، وفقا لرأيه.
ندق باب رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى في لبنان الشيخ سليم المزوّق لنسأله عن رأيه أيضاً في ادعاءات هاشم. وكان الجواب واضحاً: "عند أهل السنة والجماعة، الدين عند الله هو الإسلام كما يقول كتاب الله. وتجاه أي إنسان يزعم ديناً أو معتقدات جديدة، لدينا كتاب الله وسنة رسول الله وإجماع علماء الأمة مصادر للتشريع. ولدى السنة كتب، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرها من الكتب المعتمدة".
ويتابع: "علينا دائماً أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر. ومن المنكر أمثال هؤلاء. من يبتدع ديناً أو معتقدات أو أفكاراً جديدة، لا أصل له بالنسبة إلينا، وليس له مصدر تشريعي. الوحي بوفاة رسول الله انقطع. سيدنا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين".
نعم، يوجد مهدي عند أهل السنة والجماعة، ولكنه يختلف عن المهدي الذي تؤمن به طوائف إسلامية أخرى. ويقول المزوّق: "بالنسبة إلينا، المهدي الذي يظهر في آخر الزمان هو من علامات الساعة الكبرى. إسمه على إسم النبي، محمد بن عبد الله، ويولد في مدينة رسول الله، أي في المدينة المنورة في السعودية. ويأتي إلى مكة المكرمة عند الكعبة، ويبايع هناك على أنه خليفة ويحكم بما جاء به النبي. يحكم بالقرآن وبسنة النبي".
وهل ثمة ما يقلقه تجاه معتقدات الدين الجديد المعلن؟ يجيب: "لا، ليس لدينا خوف من تعرّض دين الإسلام للخطر. منذ بعثة رسول الله، يقابل دين الإسلام الحق باطل ويوجد من يحاربه. وهذه سنة الله في هذا الكون وهناك صراع بين الحق والباطل. ويأتي من يدّعي أنه على حق، ولكنه يكون غثاء كغثاء السيل يزول".
عبدالله هاشم يعزو هذا الرفض الديني له إلى أن "ظهوري يعني نهاية سلطة العلماء وتربحهم من الدين"، على قوله لـ"النهار". ويتدارك: "لقد جئت لأسترد ما هو لله…".
"مشكلة مثيرة للقلق" في الباب الخامس وهذه المهمة تشمل أيضاً المسيحيين في العالم. ويخاطبهم هاشم صراحة في إحدى إطلالته: "الآن، أيها المسيحيون في الشرق والغرب، اسمعوني وأطيعوا. أنا رسولٌ إليكم من يسوع المسيح عليه السلام. بولس كاذبٌ وأضلّكم. الكنيسة فاسدة، ولم تعد تُعلي شأن شريعة الله، ولا تدافع عن المظلومين. سُلبت البابوية، وأُقصي الوريث الشرعي. وليس هناك أحد غيري عليكم طاعته، فليشهد الله أني أعلنت".
كلام لم "يهضمه" مشاهدون من أوطان مختلفة. وإعلان هاشم أنه "البابا الحقيقي" صبّ الزيت على النار. ولكن لم يكن ذلك كافياً لدفع عدد من رجال الدين المسيحيين ممن قصدناهم، إلى الرد عليه. فالرجل "لا يستحق الاهتمام". والأفضل "عدم إيلائه اهمية"، والجدل معه "ليس مجدياً أو مفيدا".
غير أن الحال لم تكن كذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أطل قساوسة، بينهم رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية القديمة في الولايات المتحدة المطران جايمس لونغ، ليردوا على هاشم، محذّرين منه. فما يدّعيه الرجل يبيّن أنه "ليس نبياً إطلاقاً"، على قول لونغ. "فهو يطلب من أتباعه أن يتعهدوا الولاء له ليتبعوه… ولكن لحظة أيها النبي، ألا يفترض بك أن تقود الجميع إلى المسيح؟ الأمر لا يتعلق بك. وهذه مشكلة كبيرة".
ويشير لونغ إلى ما يصفه بـ"مشكلة أخرى مثيرة للقلق"، تتعلق بالباب الخامس (في معرفة العهد الخامس مع عيسى) في كتاب "غاية الحكيم" الذي وضعه هاشم. ويقول: "بمجرد قراءة هذا الباب، ستشعرون بالفزع الشديد، لأنه صادر عن هذه المجموعة. ستشعرون بالفزع الشديد إلى درجة أنكم لن تسألوني مجدداً إذا كان هذا الرجل صادقاً ".
سيل من المواقف المشكّكة يتجمّع في وسائل التواصل. "هذا هو المسيح الدجال"، بتعبير مستخدمين دفعتهم الحماسة إلى نشر فيديوات يعبّرون فيها عن آرائهم في هاشم صراحة، و"هذا الرجل لا أساس لكلامه". وإذ ذهب بعضهم إلى السخرية منه، اندفع آخرون إلى نبش ماضيه. ماض ربما لم يتنبه إليه كثر، ويتعلق بفيلم عن الرائيليين ودعوى بتهم بالابتزاز والاحتيال والنصب.
هل أنت المسيح الدجال؟ نسأل هاشم، فيجيب: "في الواقع، هناك العديد من المسيحيين الذين أيّدونا، بل إن الكثير منهم أبدى اهتماماً بدخول ديننا. لقد اكتشف الكثير منهم أن ما نقوله حق. أنا أسامح المسيحيين، فهم مخدوعون، تماماً كما أسامح المسلمين، فكلاهما خُدع بعلمائه، الذين هم شرّ خلق الله تحت السماء. الدجّال ليس الرسول الذي يسخرون منه، بل الدجّال هو أميركا التي تُجبر الأمم على الركوع لها وعبادتها، وتأتي باسم المسيح بينما تروّج لكل الفواحش والموبقات التي تخالف تعاليم عيسى المسيح".
"أنا محارب" تجاه الطعن بكلام هاشم، يطل أتباع له في فيديوات يبشرون به، بينما يعلن بعضهم "شفاءات" حصلت على يده. دين هاشم، دين "الإسلام والنور الأحمدي"، ينشط حاليا في نحو 40 دولة. وتشير التقديرات إلى أن 7 آلاف شخص كانوا على اتصال به. وتنتشر صور لأتباعه في ساحات عامة وشوارع، رافعين شعارات "المهدي ظهر"، و"الله اختار بابا جديدا"، بينما توثق منظمات لحقوق الإنسان تعرض عدد منهم، خلال الأعوام الماضية، لاضطهاد ديني في دول ذات أغلبية إسلامية، حيث تُعتبر معتقداتهم تجديفية.
بالنسبة إلى هاشم، فإن ما يتعرّض له وأتباعه هو "التحديات ذاتها التي واجهها كل رسول منصّب من الله". ويقول: "جميع هذه الدول التي يُضطهد فيها أتباعنا تنص قوانينها على أن للإنسان حرية في الدين والمعتقد. وسنلجأ إلى كل وسيلة ممكنة لفضح أي اضطهاد يمارس ضدنا على هذا الأساس ومقاومته. لقد أوصلنا قضايانا إلى الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، وكشفنا الانتهاكات التي تمارس بحق أتباعنا من خلال منظمات حقوق الإنسان. ونُشرت مقالات في الصحف، ونظمنا احتجاجات. كذلك، لدينا محطتان فضائيتان تبثان إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا".
ويستطرد: "أي شخص يُفكّر في أن يمسّ شعرة من رأس أحد أنصاري، عليه أن يُفكر جيداً ويتّقي الله. وإن لم يتقِ الله، فليخف على الأقل من الضجة التي سنحدثها، أنا محارب".
و"المحارب" عبدالله طموح أيضاً. "أرى أننا، بإذن الله، سنحصل على دولتنا خلال العقد المقبل. الدعوة تنمو بسرعة كبيرة، ولدينا آلاف المؤمنين في جميع أنحاء العالم، ولدينا مؤمنون قلوبهم من حديد. وما علينا إلا نشر الدعوة والحرص على أن يؤمن بها أكبر عدد ممكن من الناس. أما الباقي، فهو بيد الله. فهو الذي سينجي شعبه ويمنحه وطناً كما وعد".
رحلة عبدالله هاشم قادته الى دول عدة، بينها لبنان الذي زاره "مرات عدة. وهو بلد جميل، ربما أجمل بلد في العالم"، على قوله لـ"النهار". أحب طعامه وشعبه وطبيعته، "وهو أرض مقدسة"، بتعبيره. ودعاؤه لله أن "يمنحكم جميعاً الحرية التي تستحقونها، والرخاء الذي ينبغي أن تتمتعوا به".
وعلى وقع تمنياته تلك، يطل في فيديو جديد، موجهاً "رسالة عاجلة الى اليهود والمسيحيين والمسلمين من أجل التكاتف والحوار والتأمل وتصحيح المسار".
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار