لا يزال الجدل مستمراً حول المناهج الدراسية الجديدة في المدارس السورية، وخاصةً مادة التاريخ التي تعتبر الرواية الرسمية للأحداث التي شهدتها البلاد والتي يتم تلقينها للأجيال المتعاقبة.
سناك سوري _ دمشق
فبعد الجدل الكبير الذي أثاره وصف "شهداء 6 أيار" بأنهم "متآمرون" وعملاء للمخابرات البريطانية والفرنسية في أحد دروس الصف الثامن، يظهر درس حول الثورة السورية ضد نظام "بشار الأسد" في كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي، مما يثير تساؤلات جديدة.
حرب تشرين.. دعائية؟
يتناول الدرس الخامس من الكتاب الذي اطلع عليه سناك سوري تاريخ "سوريا" بين عامي 1970 والوقت الحاضر، ويتضمن فقرة عن حرب تشرين عام 1973، حيث يصفها الكتاب بأنها "حرب دعائية" تمت بالاتفاق بين النظامين السوري والمصري آنذاك، ولكنه سرعان ما يعود للاعتراف بأن القوات السورية اخترقت خط "ألون" في "الجولان"، كما اخترقت القوات المصرية خط "بارليف" في "سيناء"، بالإضافة إلى مشاركة قوات من دول عربية أخرى في القتال وقرار "السعودية" حظر الصادرات النفطية للدول الغربية الداعمة لكيان الاحتلال.
وبحسب الكتاب، فإن "مجلس الأمن الدولي أصدر قراراً يقضي بفرض الهدنة بين الطرفين وعودة القوات إلى الحدود التي كانت عليها عشية الحرب"، مضيفاً أن الهدنة ما تزال مستمرة.
لكن هذه الصياغة تفتقر إلى الدقة التاريخية، إذ إن القرار 338 دعا إلى وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 242 وبدء مفاوضات لإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، في وقت نص فيه القرار 242 على انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي التي احتلتها بعد 4 حزيران 1967، وليس إلى ما كانت عليه قبل حرب تشرين 1973.
من جانب آخر، فإن الهدنة التي يقول الكتاب أنها لا تزال مستمرة، لم تفرض بقرار مجلس الأمن، حيث أن قوات الاحتلال سرعان ما بدأت بخروقات لوقف إطلاق النار المنصوص عليه في القرار، لتبدأ القوات السورية حينها حرب استمرت 82 يوماً وصولاً إلى اتفاقية "فصل القوات" التي وقعت في أيار 1974.
كما أن الهدنة التي يقول الكتاب أنها لا تزال مستمرة، ظهر على الأرض أن استمرارها من جانب واحد فقط، إذ عملت قوات الاحتلال خلال السنوات الماضية على قصف الأراضي السورية باستمرار تحت ذريعة استهداف مواقع لـ"إيران" و"حزب الله"، ولم يمنعها سقوط نظام الأسد وخروج حلفائه من البلاد عن متابعة استهدافها للمواقع السورية بالقصف، واحتلال أراض سورية جديدة بعد 8 كانون الأول، حيث اعتبرت اتفاق فصل القوات منتهياً بنهاية حكم "بشار الأسد".
أحداث الثمانينات
في تناول الكتاب لأحداث "حماة" عام 1982، يقول أن سببها معارضة بعض القوى السياسية لممارسات النظام، ويتابع أن القوات العسكرية بقيادة "رفعت الأسد" ارتكبت مجزرة في حماة راح ضحيتها نحو 35 ألف مواطن وعشرات آلاف المعتقلين والمفقودين والمهجرين.
لكن المنهاج لا يعرف هذه القوى السياسية بأسمائها، ولا يتحدث عن وجود جناح مسلح من "جماعة الإخوان المسلمين"، وما نفذه هذا الجناح من اغتيالات وتفجيرات مثل "مجزرة المدفعية" الطائفية، فضلاً عن وجود حراك سياسي سلمي للنقابات والحركات اليسارية حينها في وجه نظام "الأسد" وأن المواجهة مع النظام بدأت منذ نهاية السبعينات، لكن مجزرة حماة 1982 كانت أقسى لحظاتها وأعنفها وأنهت كل محاولات معارضة النظام.
أخطاء تاريخية في المنهاج
في فقرة تحت عنوان سورية بين 2000 و2011، يتحدث الكتاب عن انتفاضة السوريين الكرد في 12 آذار 2004، لكنه يقول أن تلك الانتفاضة تلاها "ربيع دمشق"، علماً أن مصطلح يطلق على الفترة بين تموز 2000 وحتى شباط 2001 أي قبل 3 سنوات من انتفاضة "القامشلي".
ثم يقع الكتاب في خطأ آخر حين يقول أن صدر عام 2007، رغم أن الإعلان صدر رسمياً في 16 تشرين الأول 2005.
الثورة السورية في كتاب التاريخ
يتحدث الكتاب عن أهداف الثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011، فيقول أنها سعت إلى تحقيق الحرية لكافة المواطنين من خلال مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، وإقامة نظام سياسي "ثوري" من قبل الشعب يحقق مبادئ وأهداف الثورة.
وبغياب تعريف واضح بطبيعة الحال لمعنى "نظام ثوري"، فقد غاب عن الكتاب أن شعارات الثورة السورية في مظاهرات السنوات الأولى منها، دعت لإسقاط نظام الاستبداد لإقامة نظام ديمقراطي، وأن شعار الحرية الذي كان أساسياً في الحراك الثوري كان يشمل الحرية السياسية بمختلف معانيها بما في ذلك حرية الانتخاب واختيار الحاكم.
وضمن أهداف الثورة كما وردت في المنهاج، إبعاد الجيش وقوى الأمن عن الحياة السياسية وجعل هدفهم حماية الوطن والمواطن، واسترجاع الأراضي المغتصبة، ثم يختتم الدرس بالقول أن الثورة السورية حققت أهدافها وتمكنت من إسقاط النظام في 8 كانون الأول 2024، في حين وقّع الرئيس السوري "أحمد الشرع" قرارات ترفيع ضباط بصفته للجيش والقوات المسلحة قبل إعلانه رئيساً للمرحلة الانتقالية، أي أن الجيش لم يبتعد عن الحياة السياسية كما كانت تهدف الثورة وفقاً للمنهاج الحكومي.
تسييس المنهاج
من اللافت أن الكتاب لا يحمل أسماء مؤلفيه، ولا تعرف القواعد التي استندوا إليها في وضعه، لا سيما مع وجود معلومات خاطئة تاريخياً، ومعلومات مسيسة تهدف إلى خدمة توجهات سياسية على حساب أخرى، عبر فرض الرواية الرسمية في المناهج على الطلاب ما يهدد بتشويه رؤيتهم للتاريخ ومعرفتهم بالأحداث التي شهدتها بلادهم، علماً أن النظام السابق لطالما استخدم المناهج والمدارس كوسائل دعائية لصالحه على حساب أجيال من الطلاب السوريين.