حلب-سانا: استضافت مدينة حلب ندوة حوارية مشتركة بين منظمة النهوض بالمجتمع المدني (GLOCA) ومركز الحوار السوري، جمعت نخبة من الخبراء والناشطين المجتمعيين لمناقشة موضوع "رأس المال الاجتماعي في سوريا: بين عجز الماضي وإعادة البناء في المستقبل".
يهدف هذا اللقاء، بحسب المنظمين، إلى وضع الأسس لخريطة طريق عملية تهدف إلى ترميم النسيج الاجتماعي السوري الذي تضرر بشدة جراء أكثر من عقد من الثورة على النظام البائد، والذي لم يكتف بتدمير البنية التحتية، بل استهدف أيضاً الثقة بين أفراد الشعب السوري.
تحديات الماضي وإرث الحرب
أكد المشاركون في الندوة على أن سنوات الحرب خلفت وراءها إرثاً ثقيلاً من التشرد والانتهاكات والانقسامات الحادة، مما أدى إلى تدهور كبير في رأس المال الاجتماعي، وتراجع مستويات الثقة والتعاون والتضامن المجتمعي. وناقش الحضور كيف أصبح هذا التدهور عائقاً أمام جهود إعادة الإعمار وتحقيق السلام المستدام.
نقاط ضوء ومؤشرات أمل
سلطت الندوة الضوء على بعض الجوانب الإيجابية، حيث أشارت المناقشات إلى ازدياد روح التكاتف الأهلي، خاصة في مجتمعات النزوح واللجوء والمجتمعات المحلية الصامدة، وظهور مبادرات مجتمعية عفوية تعكس الرغبة في التواصل. كما لاحظ الخبراء اهتماماً متزايداً بقضايا الشأن العام والعدالة الانتقالية والحوار الوطني كسبل ضرورية للتعافي الاجتماعي.
تحليل علمي معمق
شهدت الندوة تقديم تحليل علمي لواقع رأس المال الاجتماعي وسبل إعادة بنائه. وقدم مدير مركز الحوار السوري، الدكتور أحمد قربي، رؤية شاملة لمفهوم رأس المال الاجتماعي، وأبعاده وأنواعه وأهميته للمجتمعات، وكيفية قياسه في سياقات مختلفة، مثل التجارب الغربية والعربية ومجتمعات ما بعد الحرب، وإمكانية تطبيق هذه المؤشرات على الحالة السورية. كما استعرض الباحث نورس العبد اللّٰه نتائج دراسات ميدانية حديثة أجراها المركز لقياس مؤشرات التماسك المجتمعي ومستويات الثقة الحالية في سوريا، والتي كشفت عن نقاط ضعف وقوة يمكن العمل عليها.
توصيات عملية وبناء الجسور
تحولت الندوة، التي أدارها مسؤول العلاقات العامة في منظمة النهوض بالمجتمع المدني، إلى ورشة عمل لصياغة توصيات عملية. وركزت المداخلات على آليات وأدوات للحفاظ على رأس المال الاجتماعي وتعزيزه وبنائه من جديد، مع تحديد مسؤوليات الحكومة الحالية، ودور منظمات المجتمع المدني في بناء الجسور المحلية، ومسؤولية النخب الفكرية والإعلامية في تعزيز خطاب الوحدة، وكيفية تفعيل دور المجتمع الدولي لدعم جهود البناء الاجتماعي.
رؤية مستقبلية وخريطة طريق
أكد منظمو الندوة أن هذا اللقاء يمثل خطوة نحو إعادة تعريف السوري كشريك في المصير، ومحاولة لتحويل تحديات الماضي إلى أساس لمستقبل يعتمد على العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد. وأعلن القائمون على الندوة من منظمة GLOCA ومركز الحوار السوري عن قرب إصدار وثيقة تلخص التوصيات العملية والخطوات الأولية لخريطة الطريق التي تم التباحث حولها، لتكون مرجعاً للمؤسسات المحلية والدولية العاملة في سوريا، وإعلاناً لإعطاء الأولوية لإعادة بناء الإنسان والعلاقات التي تربطه بأخيه.