الإثنين, 7 يوليو 2025 03:14 AM

فساد في حلب: قاضية تصدر أحكامًا لصالح التزوير وتستمر في عملها دون محاسبة

فساد في حلب: قاضية تصدر أحكامًا لصالح التزوير وتستمر في عملها دون محاسبة

في واقع سوريا ما بعد الثورة، لا تزال بعض المؤسسات التي من المفترض أن تحمي الحقوق وتقيم العدل، مجرد أدوات في أيدي أصحاب النفوذ والمال. ففي حلب، حتى بعد سقوط نظام الأسد، لم تسقط كل أدواته، والقضاء هو أحد أبرز هذه الأدوات. يكشف هذا الملف كيف يمكن لقاضية أن تتجاهل الوثائق الرسمية والشهود الحقيقيين، وتصدر حكمًا لصالح التزوير، دون أن تخضع للمساءلة أو الإيقاف. والنتيجة هي استمرار القاضية في عملها، ودفن العدالة تحت أنقاض الفساد.

القصة كما رواها الضحية

يروي أحمد الناصر من القامشلي أنه بعد وفاة والده في عام 2017، توجه شقيقه إلى حلب لتفقد منزل العائلة في حي سيف الدولة، وهناك كانت المفاجأة: دعوى فسخ ملكية رفعها عمهم، شقيق والدهم، مدعيًا أن العقار يعود له. كانت الدعوى قيد النظر منذ أكثر من ستة أشهر، وعقدت خلالها ست جلسات، دون علم الورثة. اعتمدت المحكمة على التبليغات عبر الصحف، وأرسلت إشعارًا شكليًا إلى مختار يعرف العائلة جيدًا، لكنه تجاهلهم عمدًا بتحريض من الطرف المدعي.

من التزوير إلى تغييب الأدلة

الأوراق التي قدمها أحمد وشقيقه لإثبات ملكيتهم للعقار كانت قوية:

  • سند طابو أصلي باسم والدهم يعود لعام 1975
  • عقد شراء موقع من المالك الأصلي
  • توقيع رسمي موثق لوالدهم من السجل المدني
  • شهود يعرفون ظروف شراء البيت وتاريخ انتقاله للأسرة

ومع ذلك، قوبلت هذه الأدلة بالإهمال والتجاهل من قبل القاضية “ف – د”، التي قررت الاعتماد فقط على شهود الطرف الثاني، دون التأكد من أدائهم القسم، رغم عدم معرفتهم بأي تفاصيل عن العقار، مما يشير إلى أنهم كانوا مجهزين مسبقًا بشهادات معدة سلفًا. الأخطر من ذلك أن محامي الخصم، “أ-ن”، معروف بسجله المليء بالتهم، بما في ذلك قضية تزوير سجن على إثرها قبل سقوط النظام بأربع سنوات. ومع ذلك، استمر في مزاولة المهنة، وطلب تأجيلات متكررة وافقت عليها القاضية دون مبررات كافية، مما أطال أمد القضية لخمس سنوات كاملة، من 2018 حتى 2023.

اختفاء أوراق وتلاعب بالمحضر

بعد سقوط النظام في حلب، عاد أحمد الناصر إلى المحكمة على أمل أن يكون الزمن قد غير شيئًا. طلب تصوير الإضبارة القضائية، لكنه فوجئ بأن بعض الأوراق التي قدمت في السنوات الماضية لم تعد موجودة ضمن الملف، بما في ذلك الوثيقة التي تثبت توقيع والده بشكل رسمي ومطابق لما هو معتمد في الدوائر الرسمية. طلب أحمد إعادة فحص الورقة التي ادعى الطرف الآخر أنها “تنازل” من والده، رغم وضوح التزوير في توقيعها. ومع ذلك، رفضت القاضية تحويلها إلى الخبرة، مفضلة إبقاء الحكم قائمًا على ورقة مشكوك فيها قانونيًا وأخلاقيًا.

شهادة تفضح الحقيقة

ما لم تقله القاضية، قاله أحد شهود القضية خلال جلسة صلح عشائرية بعد وفاة العم المدعي. الشاهد أحمد محمد سليمان المبروك، الذي سبق أن شهد ضد العائلة، اعترف بشكل واضح أن كل ما جرى تم “بالمال”، وأن محامي الخصم تلقى عشرة آلاف دولار مقابل إدارة الملف. سأل أحمد أبناء عمه: “هل يعقل أن محاميًا يتقاضى هذا المبلغ على قضية بأوراق سليمة ونظامية؟”. الإجابة كانت صمتًا محملاً بالاعتراف.

نموذج لا يزال يعمل

حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لا تزال القاضية “ف – د” تمارس مهامها القضائية في مدينة حلب، رغم كل ما أثير حول نزاهتها وقراراتها المثيرة للجدل. لا يوجد تحقيق، لا مساءلة، ولا حتى مراجعة للحكم الصادر.

العدالة مؤجلة… والمحاسبة مطلب

قضية عائلة الناصر تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول ضرورة إعادة هيكلة السلطة القضائية في مناطق النظام السابق، التي يفترض أنها “تحررت” من قبضة الاستبداد. ولكن ما دام القضاء يدار بعقلية ما قبل 2011، وما دام القضاة الذين تورطوا في الفساد لا يحاسبون، فإن الحديث عن “عدالة انتقالية” أو “إصلاح مؤسساتي” يظل مجرد وهم.

كلمة أخيرة

تحمل الجهات القضائية والرقابية في حلب كامل المسؤولية عن هذا الملف، وتدعو إلى فتح تحقيق فوري وشامل في جميع الأحكام التي أصدرتها القاضية فاطمة دهان. فالسكوت لم يعد خيارًا، والوقت حان لرد الاعتبار للمتضررين. العدالة ليست شعارًا، بل ممارسة. وعندما تكون الأدلة القانونية الواضحة لا تكفي أمام محكمة، فإن القضية لم تعد قانونية فقط، بل سياسية، وأخلاقية، ومجتمعية.

مشاركة المقال: