الجمعة, 20 يونيو 2025 09:42 PM

هل سقطت أسطورة السماء الحديدية؟ تكتيكات الإغراق تكشف نقاط الضعف

هل سقطت أسطورة السماء الحديدية؟ تكتيكات الإغراق تكشف نقاط الضعف

في ظل التطورات المتسارعة في مشهد الصراعات الإقليمية، تبرز شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية المعروفة باسم "السماء الحديدية" كعنصر أساسي في الحسابات العسكرية. لطالما تم تقديم هذه المنظومة على أنها حصن منيع لا يمكن اختراقه، كواحدة من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم. إلا أن الهجمات الصاروخية الأخيرة، لا سيما تلك التي تشنها إيران والمقاومة الفلسطينية، ألقت بظلال الشك على هذه المنظومة، كاشفةً عن ثغرات حرجة تتحدى مفهوم المناعة المطلقة التي وصفت بها.

تتألف السماء الحديدية من ثماني طبقات دفاعية مصممة للتصدي لمجموعة واسعة من التهديدات الجوية. هذه الطبقات لا تعمل بشكل منفصل، بل تتكامل لتشكل درعاً متعدد المستويات. في قلب هذه الشبكة تقبع أربع منظومات دفاعية رئيسية:

  • القبة الحديدية (Iron Dome): التي اشتهرت بقدرتها على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، وتقدر تكلفة صاروخها الاعتراضي الواحد بنحو 50 ألف دولار، بينما تصل تكلفة البطارية إلى 100 مليون دولار.
  • مقلاع داوود (David’s Sling): المصمم لاعتراض الطائرات الحربية والطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية متوسطة المدى، بتكلفة تتراوح بين 700 ألف إلى مليون دولار للصاروخ الاعتراضي الواحد.
  • منظومة السهم (Arrow System): وهي الأغلى، حيث تصل تكلفة الصاروخ الواحد إلى 3 ملايين دولار، وهي مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، مع استمرار تطوير أجيالها الأحدث.
  • منظومة الشعاع الحديدي (Iron Beam): نظام ليزري يهدف إلى تقليل التكاليف التشغيلية، رغم أنه لم يدخل الخدمة بكامل طاقته بعد.

بالإضافة إلى هذه المنظومات، تعتمد إسرائيل على أربع طبقات دفاعية إضافية:

  • سلاح الجو الإسرائيلي: الذي يلعب دورًا حيويًا في تتبع وإسقاط التهديدات الجوية.
  • البطاريات الأمريكية المتطورة: مثل باتريوت (Patriot) وثاد (THAAD)، والتي تعد إضافة ذات تكلفة باهظة للوحدة الواحدة والصاروخ الاعتراضي.
  • سلاح الجو والبحرية الأمريكية: التي تساهم بقدراتها في الرصد والاعتراض.
  • منظومات الرصد والاعتراض في دول أخرى: مما يوفر طبقة حماية إقليمية أوسع.

هذه الكثافة الدفاعية تأتي بتكلفة هائلة، حيث يقدر تشغيل الشبكة بنحو 285 مليون دولار يومياً، وهو ما يطرح تساؤلات حول استدامتها على المدى الطويل في مواجهة صراعات مفتوحة.

"الإغراق": نقطة الضعف المكشوفة

الأسطورة حول "السماء الحديدية" بدأت تتلاشى مع الكشف عن نقطة ضعف حاسمة تعرف بـ "أسلوب الإغراق". هذا التكنيك، الذي استخدمته المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى ثم إيران مؤخراً، يعتمد على إطلاق موجات مكثفة ومتتالية من القذائف والصواريخ والطائرات المسيرة. الهدف هو إرباك واستهلاك قدرات الدفاع الجوي لفتح ثغرات للمقذوفات الأكثر أهمية.

لقد قامت إيران باستخدام هذا الأسلوب، حيث أطلقت موجات أولية من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز وحتى صواريخ باليستية قديمة بهدف إشغال منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. هذه الموجات الاستنزافية مكنت الصواريخ الباليستية الأكثر دقة من اختراق الدفاعات والوصول إلى أهدافها.

إن التحدي الأكبر لأي من منظومات الدفاع الجوي يكمن في محدودية الصواريخ الاعتراضية وتكلفتها الباهظة ووقت تصنيعها الطويل. فبينما يمكن إنتاج صواريخ هجومية بكميات أكبر وبتكلفة أقل نسبياً، فإن الصواريخ الاعتراضية ليست متوفرة بلا حدود. هذا يعني أنه في حال استمرت الهجمات بوتيرة ثابتة، فلن تتمكن الدفاعات الإسرائيلية من الصمود طويلاً دون دعم أمريكي مستمر.

كما أن عدم فعالية القبة الحديدية ضد الصواريخ الباليستية الحديثة يجبر إسرائيل على الاعتماد على أنظمة "سهم" و"ثاد" الأغلى والأكثر محدودية في المخزون.

الخلاصة: أسطورة تتلاشى وتحديات مستقبلية

لقد أظهرت التطورات الأخيرة أن مفهوم "السماء الحديدية" المنيعة قد تم دحضه عملياً، إذ لا يوجد نظام دفاع جوي في العالم محصن تماماً ضد الاستنزاف والتكتيكات الذكية. كما كشفت الهجمات أن أي منظومة دفاع جوي، مهما بلغت من التطور، يمكن أن تكون عرضة للاختراق إذا ما ووجهت بإستراتيجية هجومية مدروسة تستغل نقاط ضعفها التشغيلية والاقتصادية.

هذا الواقع يطرح تساؤلات جدية ليس فقط حول مستقبل الأمن الإقليمي، بل أيضاً حول الاستراتيجيات الدفاعية التي قد تتبناها دول أخرى. هل يمكن لتجارب مثل هذه أن تدفع الدول العربية إلى بناء عقل دفاعي جديد يعترف بأن الحرب القادمة لن تحسم في السماء فقط، بل في مراكز الأبحاث وساحات التجريب ومصانع السلاح الوطنية وتكامل الإرادة السياسية مع المعرفة التقنية. فالأقوياء لا يحمون الضعفاء، بل يهندسون أمنهم على حسابهم.

مشاركة المقال: