من عمليات تجميل الأنف إلى نحت الذقن، ومن حقن البوتوكس إلى جلسات الفيلر المتكررة، تجاوز التجميل كونه مجرد وسيلة لتحسين المظهر ليصبح هاجساً لدى البعض، وسباقاً محمومًا نحو صورة مثالية لا تعكس الواقع الحقيقي. ففي عيادات التجميل، تتكرر مشاهدة الزبائن الذين يعودون بعد فترة قصيرة، بحثاً عن تعديلات إضافية أو "رتوش" جديدة، على الرغم من رضا المحيطين بالنتائج السابقة.
يثير هذا الأمر تساؤلات حول الدوافع التي تدفع الشباب، الذين غالباً ما لا يعانون من عيوب ظاهرة، إلى هذا التعديل المستمر. وهل نحن أمام حالة إدمان حقيقية تستدعي تدخلاً متخصصاً؟
رفض الطلبات غير المنطقية
يؤكد د. بيهس رقية، طبيب التجميل في اللاذقية، وجود حالات يمكن وصفها بـ "إدمان التجميل"، حيث يفقد الشخص القدرة على التوقف، ويبحث باستمرار عن تغيير جديد حتى بدون حاجة طبية أو جمالية. ويشير إلى تزايد الطلبات غير الضرورية في السنوات الأخيرة، خاصة بين الفتيات الصغيرات المتأثرات بصور المشاهير والفلاتر الرقمية. ويشدد د. رقية على أن الأطباء ملزمون أخلاقياً برفض أي طلب لا مبرر له، وقد يحيلون المريض إلى طبيب نفسي بدلاً من إجراء العملية، مؤكداً أن التجميل أداة لتعزيز الثقة بالنفس وليس بديلاً عنها، وأن جوهر المشكلة يكمن في الدوافع النفسية.
هروب داخلي خلف قناع خارجي
من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية راميا صبيرة أن إدمان التجميل غالباً ما يرتبط بشعور عميق بعدم الرضا عن الذات، تغذيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل التي تروج لصورة سطحية ومثالية للجمال. وتوضح أن فتيات كثيرات فقدن ثقتهن بأنفسهن بسبب شكل أنوفهن أو شفاههن، نتيجة مقارنة أنفسهن بصور معدلة وغير واقعية. وتضيف أنه حين يتحول التجميل إلى هوس، فإنه لا يحل المشكلة، بل يفاقمها لأنه يخفي الفراغ النفسي مؤقتًا فقط، وأن جذور هذه الحالات تعود إلى مشكلات أعمق مثل الإهمال الأسري، التنمر، أو الفراغ العاطفي، وأن الحل يكمن في حوار داخلي صادق ودعم نفسي متخصص.
بين القبول والقلق
تتباين الآراء في الشارع حول التجميل، فبينما يعتبره البعض حقاً شخصياً، يبدي آخرون قلقهم من ظاهرة الوجوه المتشابهة التي تفرزها كثرة الإجراءات. تقول ندى (28 عاماً): "أردت تعديل أنفي فقط، لكنني وجدت نفسي لاحقًا أحقن شفاهي ووجنتي، ولم أعد أرتاح لرؤية صوري القديمة". في المقابل، تقول سارة، وهي معلمة: "أنا مع التجميل باعتدال. المشكلة حين نلاحق الكمال، وهو أصلاً غير موجود. كل شخص جميل بطريقته، ومن يحب نفسه لا يركض خلف رأي الآخرين".
الحاجة إلى توازن
مع التطور المتسارع في عالم التجميل، يبقى التحدي الحقيقي هو إيجاد التوازن بين الرغبة المشروعة في تحسين المظهر والحفاظ على السلام النفسي والقبول الذاتي. فبين مشرط الجراح وصوت الداخل، يظل السؤال مطروحاً: هل نحن نجمل ملامحنا حقاً، أم نحاول إخفاء هشاشتنا؟
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية