السبت, 31 مايو 2025 12:02 PM

هيئة العدالة الانتقالية في سوريا: ترحيب حذر وسط مخاوف بشأن المشاركة المجتمعية

هيئة العدالة الانتقالية في سوريا: ترحيب حذر وسط مخاوف بشأن المشاركة المجتمعية

عنب بلدي – عمر علاء الدين

قبل تشكيلها في 17 أيار الحالي، تصاعدت المطالبات بإنشاء هيئة للعدالة الانتقالية في الأوساط السورية، عبر الصحف ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في أعقاب سلسلة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، بما في ذلك استهداف المدنيين بالأسلحة الكيماوية والإخفاء القسري والمقابر الجماعية التي يتم اكتشافها بشكل دوري.

يُعرّف "المركز الدولي للعدالة الانتقالية" عملية "العدالة الانتقالية" بأنها استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان. وتشمل هذه العملية إدخال إصلاحات على الأنظمة القانونية والسياسية والمؤسسات الحاكمة، بالإضافة إلى آليات لكشف الحقيقة حول الأحداث وأسبابها، وتحديد مصير المعتقلين والمخفيين قسرًا.

تباينت آراء الباحثين الذين التقتهم عنب بلدي حول خطة إنشاء "هيئة العدالة الانتقالية"، بين من يرونها تبعث على الإحباط بسبب عدم إشراك المجتمع المدني، وبين من يعتبرونها خطوة إيجابية ولكنها بحاجة إلى تحسين.

تشكيلها يدعو للإحباط

أعرب الباحث السوري ومدير مركز "دمشق لدراسات حقوق الإنسان"، رضوان زيادة، لعنب بلدي، عن إحباطه من طريقة تشكيل الهيئة. وأوضح أن السبب يكمن في عدم إجراء مشاورات وطنية حول تشكيل هذه الهيئات وإشراك روابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني بشكل رئيس ومنظم.

وأكد زيادة على ضرورة اتباع آلية تشاورية واسعة النطاق لاختيار الأسماء، مع احترام الأشخاص الذين تم تعيينهم في الهيئة. كما شدد على أهمية وجود خبراء متخصصين في العدالة الانتقالية وإشراك منظمات عائلات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني بشكل كبير في عملية الاختيار.

ويرى زيادة أن التعيينات الحالية تفتقر إلى الخبرة المتخصصة في مجال العدالة الانتقالية، مما أثار إحباط العديد من العاملين في هذا المجال.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" أشارت إلى أن مرسوم إنشاء "هيئة العدالة الانتقالية" يقتصر على الجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد فقط، مستثنيًا ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات غير الحكومية. وفي بيان نشرته في 20 أيار، أعربت المنظمة عن قلقها بشأن عدم وضوح كيفية إشراك الضحايا بفاعلية في عمل اللجنة.

وبحسب المرسوم "20"، يرأس "هيئة العدالة الانتقالية"، عبد الباسط عبد اللطيف، الأمين العام السابق لـ"الائتلاف الوطني السوري".

شراكة مع المجتمع المدني

في كلمة مصورة نشرها حساب "هيئة العدالة الانتقالية" الرسمي على "فيس بوك"، في 23 أيار الحالي، أكد رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف أن الهيئة ستعتمد خارطة طريق عملية واضحة المراحل، مبنية على أسس واقعية تراعي السياق السوري وخصوصيته، إلى جانب خطة وطنية للتوعية بمفهوم العدالة الانتقالية، ومنصة إلكترونية لتلقي الشكاوى، وآليات للتواصل مع المجتمع، وإصدار تقارير دورية ذات مصداقية توثق ما تم إنجازه.

ستعمل الهيئة خلال المهلة المحددة بـ 30 يومًا على تشكيل فريق عمل يتضمن ممثلين عن الضحايا، وخبراء قانونيين وحقوقيين، واختصاصيين في الأدلة الجنائية والبحث الجنائي، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والاستعانة بمجلس استشاري يمثل الضحايا، يرافق عمل الهيئة في جميع مراحله، ووضع نظامها الداخلي.

وأعلن عبد اللطيف التزامه الكامل بالعمل الجاد لتحقيق تطلعات الشعب السوري بجميع مكوناته، من خلال:

  • كشف الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد.
  • مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات بالتنسيق مع الجهات المعنية.
  • جبر الضرر الذي لحق بالضحايا.
  • ترسيخ مبادئ عدم التكرار، وتعزيز المصالحة الوطنية.

وأكد عبد اللطيف أن "هيئة العدالة الانتقالية" تحمل اليوم "أمانة كبيرة" تتمثل في مساءلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنصاف الضحايا وذويهم، ومعالجة آثار الانتهاكات الممنهجة بطرق تسهم في ترسيخ العدالة، ومنع تكرار ما حدث، وتأسيس مصالحة وطنية متينة، قائمة على سيادة القانون، وتعزيز ثقة السوريين بمنظومة العدالة، وصولًا إلى سلام دائم ونهضة وطنية شاملة.

وشدد على أن العدالة في سوريا "لن تكون انتقامية"، بل قائمة على كشف الحقيقة، والمساءلة، والمحاسبة، ومنع الإفلات من العقاب، وترسيخ سيادة القانون.

هل تحقق التطلعات؟

يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" نورس العبد الله، أن أي خطوة باتجاه المضي في مسار العدالة الانتقالية في سوريا تعد "أمرًا إيجابيًا ويتلاقى مع تطلعات السوريين من جهة والالتزام القانوني والأخلاقي للسلطة الانتقالية"، معتبرًا أنها خطوة مهمة وضرورية.

لكن العبد الله اعتبر أن المسار الإجرائي لتشكيل الهيئة لم يكن "أفضل الخيارات المتاحة إلا بمعيار الزمن فقط"، مشيرًا إلى أنه تم التشكيل دون إجراء مشاورات واسعة ومن خلال "مرسوم موجز"، وليس عبر قانون يمر بمراحل متعددة، وبما يتضمن قواعد شاملة لإطار العدالة الانتقالية المتوافق عليه في سوريا.

لا تتناقض مع الإعلان الدستوري

يشير العبد الله إلى أن طريقة تشكيل الهيئة الحالية لا تتناقض مع نص المادة "49" من الإعلان الدستوري، على عكس ما يتم تداوله. وترتبط السلبيات بـ "استمرار الغموض حول كل ما يتعلق بالهيئة سواء لجهة الاختصاص والصلاحيات والتكوين والأعضاء والهيكل العام لها واختيار الأعضاء، كما أنها جعلت المشاورات الوطنية بعد إحداث الهيئة لا قبلها".

وبالتالي، فإن الإشكالية الرئيسة، من وجهة نظر الباحث السوري، كانت في "النص الدستوري المؤسس للعدالة الانتقالية في سوريا قبل أي إجراء آخر".

التشاور قبل التشكيل لا بعده

يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" أن الإشكالية تعود إلى الإعلان الدستوري ذاته وتحديدًا المادة "49"، حيث كان يجب الحديث عن أن التشاور مع منظمات المجتمع المدني وذوي الضحايا عملية سابقة لإنشاء الهيئة وليست لاحقة لها. وأشار إلى أن هذه الخطوة شهدت ترحيبًا أكثر من التحليل حتى من بعض الروابط والمنظمات.

ويؤكد العبد الله على ضرورة "الاستدراك"، مشددًا على أهمية وجود ناشطين مدنيين وممثلين عن ذوي الضحايا بين أعضاء الهيئة، وإجراء مشاورات جدية بخطة واضحة قبل إعداد النظام الداخلي للهيئة، معتبرًا أن هذه الخطوات تسمح بتلافي الثغرات السابقة.

ولا يعتقد الباحث نورس العبد الله أن التوجه العام للسلطة سيتجاهل التشاركية في مسارات العدالة الانتقالية مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات وروابط الضحايا، نظرًا لأهمية هذه الأدوار.

توصيات

يوصي الباحث السوري بثلاث نقاط رئيسة للعمل عليها في الوقت الحالي:

  1. إعلان خطة سريعة للمشاورات حول اختيار الأعضاء في الهيئة والمعايير التي تركز على النزاهة والكفاءة والتنوع، بحيث يؤسس تكوين الهيئة قدر الإمكان لشرعيتها ومصداقيتها وكسب ثقة الجمهور، وألا يقل عدد الأعضاء عن 14 عضوًا متنوع الاختصاصات والخلفيات، مع الحرص على وجود النساء في التشكيل بما يسمح بمراعاة الهيئة لقضايا النساء وخصوصيتها على صعيد الانتهاكات والتطلعات للعدالة.
  2. الحرص على اجراء جلسات حوارية مركزة مع خبراء وجلسات مفتوحة للاستماع لرؤى ذوي الضحايا للحصول على مدخلات لإعداد النظام الداخلي.
  3. الاهتمام بشكل كبير بقضية صلاحيات الهيئة التي تضمن نجاحها في تحقيق أهدافها وضمانات حصانة أعضائها واستقلالهم لأن المهمة خطيرة والضغوط ستكون كبيرة أيضا بمختلف أشكالها.
مشاركة المقال: