أثار مقطع فيديو يظهر تحطيم نصب الشهداء في «ساحة سعد الله الجابري» في حلب ردود أفعال واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث علت أصوات تستنكر الفعل تحت شعار «كي لا يُعبد إلا الله».
وقبل انتشار الفيديو، كانت مديرية الآثار والمتاحف في حلب قد ذكرت في بيان عبر تليغرام أن التمثال نُقل بهدف الحفاظ عليه وترميمه، لكن بعد انتشار صور تدميره، تغير الرد الرسمي ليصبح أن خطأً أثناء النقل أدى إلى تحطيمه.
أثار التناقض بين البيانين غضباً شعبياً، خاصة بعد ظهور صور ومقاطع للتمثال محطماً في موقعه. وأكد مسؤول العلاقات في محافظة حلب أن توضيحاً رسمياً جديداً سيصدر لاحقاً بشأن الحادثة.
انتقد الكثيرون فكرة النقل نفسها، بينما اعتبر آخرون ما جرى تدميراً متعمداً، خصوصاً أن العملية جرت ليلاً وبشروط غير مناسبة.
من جهته، أوضح محافظ حلب عزام الغريب على منصة أكس أنه تابع بأسف مشاهد نقل تمثال الشهداء، معتبراً ما جرى غير مقبول، ومحمّلاً الجهة المنفذة المسؤولية. وأضاف أن النقل جاء ضمن خطة لتأهيل الساحة، ولا يحمل خلفيات أيديولوجية، مشيراً إلى إطلاق مساءلة فورية وتوجيه بترميم التمثال وحفظه في المتحف.
يذكر أن الفنان الراحل عبد الرحمن موقت هو مصمم التمثال. وكانت «الأخبار» قد كتبت في نيسان الماضي عن محاولة لإزالته، لكن المحافظة أكدت حينها أن الأمر يتعلق بصيانة الساحة ضمن مبادرة «حلب… رح ترجع أحلى»، من دون نية للإزالة.
وفي بيان سابق، بررت المديرية أي عملية لنقل التمثال بتهيئة الساحة لإقامة فعاليات جماهيرية، بعد تركيب شاشة عرض رئيسية قالت إنها تحجب جزئياً من قبل التمثال.
من جهتها، كتبت مديرة «منتدى رياض نداف الثقافي»، الأديبة رياض نداف، عبر فيسبوك أنها تواصلت مع الهيئة السياسية في محافظة حلب، وأبلغتها بأهمية النصب في ذاكرة المدينة ومكانة الفنان الراحل، لكن أياً من ذلك لم يحدث.
تتمتع «ساحة سعد الله الجابري» برمزية لدى الحلبيين، وفيما يُعاد اليوم الجدل حول تمثال الشهداء، يقبع تمثال نصفي آخر لسعد الله الجابري الذي تسمّى الساحة تيمّناً به، ويكاد يغيب عن أنظار المارة.
تثير الحوادث التي تطال أماكن عامة دينية وأثرية نقاشات حول تحريم أو تجريم هذا النوع من الفنون، وتسمح بإعادة تعرّف السوريين إلى ملامح مدنهم عبر البحث عن الفنانين خلف هذه التماثيل والنصب التذكارية.
من السرديات التي عادت من الذاكرة السورية الحديثة، التفسيرات المرتبطة بوجود ومعنى كل نصب، كما جاء في دراسة للباحث عفيف بهنسي. وأشار الباحث إلى أنّ النصب التزينية هي من عادات المدن السوريّة، خصوصاً دمشق وحلب خلال الاحتفالات بُعيد الثورة والجلاء.
من أشهر هذه التماثيل النصب التذكاري للقائد العسكري وزير الدفاع السوري يوسف العظمة الذي استشهد في مواجهة الجيش الفرنسي. ولاحقاً بعد انتهاء حرب 1973 ودخول سوريا مفاوضات السلام، جرت تعديلات على التمثال، بجعل تمثال يوسف العظمة وسيفه في غمده.
في الإطار ذاته، علّقت حسابات فايسبوكية سورية على صور تظهر تمثال صلاح الدين بالقرب من قلعة دمشق، وقد جُرِّد من سيفه ورمحه. ويُظهر النصب التذكاري لبطل معركة حطين وهو يمتطي جواده محاطاً بالجند المسلمين، وخلفه أسرى الفرنجة.
وبالنظر إلى جودة العمل، وُضعت صورته على الورقة النقدية من فئة 200 ليرة سورية. ويعدّ تمثال صلاح الدين الأيوبي الموجود بالقرب من قلعة دمشق من أهم أعمال النحات السوري عبدالله السيد.
أثار تحطيم نصب شهداء الجلاء، وكذلك التخريب الذي طال تمثال صلاح الدين الأيوبي في دمشق، جدلاً واسعاً بين من اعتبرها أفعالاً ناتجة من توجهات دينية متشددة، ومن رآها ممارسات سياسية تهدف إلى محو رمزية وطنية.
الموقف من التماثيل في الحركات الإسلامية المتشددة ليس بجديد، سبق أن سجلت حوادث مشابهة مع تمثال أبو العلاء المعري في مدينة معرة النعمان في إدلب، أو تحطيم تمثال العذراء عام 2013 في بلدة اليعقوبية في ريف ادلب.
ورغم أنّ الحوادث السابقة تعود إلى مدينة إدلب التي خضعت لسيطرة فصائل مسلحة ذات طابع متشدد من بينها «هيئة تحرير الشام»، إلا أنه لا يمكن اعتبارها سياسة عامة أو توجهاً رسمياً ضمن الدولة السورية الجديدة.
إذ سبق للهيئة خلال سيطرتها على إدلب منذ عام 2015 أن أدانت هذه الأفعال وأعادت افتتاح متحف إدلب بإشراف عدد من المختصين بالآثار من المحافظة، بما يشير إلى أنّ هذه الحوادث تُحرج الدولة السورية لما تثيره من قلق شعبي تجاه نواياها.