تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا
وقّع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً الأسبوع الماضي يقضي برفع معظم العقوبات الأمريكية عن سوريا، مما يؤكد تحولاً كبيراً في نهج واشنطن تجاه دمشق. يثير هذا التغيير تساؤلات حول أسبابه ومستقبل العلاقات الثنائية.
بعد وقت قصير من إعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا خلال زيارة رسمية إلى الرياض في 14 مايو 2025، انتشرت لافتات في دمشق تشكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس ترامب.
الرئيس ترامب وقّع يوم الإثنين الماضي قراراً برفع معظم العقوبات التي فرضتها بلاده على سوريا، ليضفي بذلك طابعاً رسمياً على تغيير جذري في نهج واشنطن تجاه دمشق، تنفيذاً لوعد سابق بمنح الدولة الجديدة "فرصة للعظمة". ومع ذلك، لا تزال العقوبات المفروضة على الأفراد المرتبطين بنظام بشار الأسد السابق وبعض الشخصيات في الجيش السوري الجديد قائمة.
تجري حالياً مراجعة تصنيف كل من الرئيس السوري أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام – فرع تنظيم القاعدة سابقاً الذي كان يقوده الشرع تحت اسمه الحركي أبو محمد الجولاني – على قائمة الإرهاب. يمثل هذا انعكاساً كبيراً في السياسة الأمريكية منذ فرض العقوبات على سوريا لأول مرة عام 1979، باعتبارها دولة راعية للإرهاب. أدت العقوبات المتتالية، إلى جانب الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، إلى تدمير الاقتصاد السوري ودفع غالبية السكان إلى ما دون خط الفقر.
بينما تتشكل الإدارة السورية الجديدة وتخطو البلاد خطواتها الأولى نحو إعادة الإعمار، ترسم واشنطن مساراً جديداً خاصاً بها. يبرز هنا سؤال حول كيفية تغير تعامل الولايات المتحدة مع سوريا في ظل إدارة ترامب الثانية، وما هي سياستها المستقبلية تجاه دمشق؟
عودة الانخراط الأميركي
قالت ناتاشا هول، الباحثة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إن الإدارات الأمريكية السابقة فقدت اهتمامها بسوريا ولم تكن لديها سياسة متماسكة، مضيفة: "لقد تخلوا نوعاً ما عن سوريا، وخفّضوا أولويتها إلى مجرد إدارة الصراع بأبسط شكل ممكن، إن حدث ذلك أصلاً… كان الأمر يتمثل في إبقاء الأسد ضعيفاً لكن مع بقائه في السلطة".
من جهته، قال ستيفن هايدمان، الزميل البارز في معهد بروكينغز، "إن السقوط المفاجئ لنظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي أدى إلى إعادة تقييم كبيرة للسياسة الأميركية"، لافتاً إلى أن معظم المراقبين توقعوا في البداية أن إدارة ترامب سوف تتحرك ببطء وتتردد في الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة". وأضافت هول: "سواء كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، لكنا رأينا إما عداءً تجاه الإدارة الجديدة في سوريا أو مماطلة كبيرة فيما يخص العقوبات".
لكن قرار ترامب المفاجئ برفع العقوبات في سوريا، خلال زيارته إلى السعودية في 13 أيار/ مايو، نسف تلك التوقعات، حتى أنه التقى في اليوم التالي مع الشرع، الذي ما يزال مصنفاً على قائمة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة. وعلق هايدمان على ذلك بالقول: "اتخذ القرار، وكما جرت العادة في حالته، من دون الكثير من المشاورات، حتى أن مستشاريه لشؤون الشرق الأوسط فوجئوا بالقرار".
قال رضوان زيادة، الزميل البارز في المركز العربي بواشنطن (ACW)، أن هذه الخطوة "التاريخية" جعلت من ترامب رئيساً محبوباً جداً في سوريا. وظهرت لافتات شكر له ولولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شوارع دمشق. وصف كل من هايدمان وهول هذه الخطوة بأنها صفقة تبادلية مدفوعة بالمكاسب المرجوّة من دول الخليج. قالت هول: "أعتقد أن السعوديين قدموا الكثير مقابل هذه الخطوة"، وأشار زيادة إلى دور قطر وتركيا إلى جانب جهود جماعات الضغط السورية الأميركية.
ورأى هايدمان أن هذا التغيير كان مدفوعاً بمصالح ترامب الشخصية أكثر من كونه نتيجة لأهداف السياسة الخارجية، واصفاً إياه بأنه "شديد الأنانية، ويميل إلى التفكير في مدى استفادة علاقته الثنائية من القرار، سواء على الصعيد المالي أو أعماله التجارية". بعد انتهاء ولاية ترامب الأولى، حصل صهره جاريد كوشنر من استثمارات سعودية بمليارات الدولارات. وفي محاولة لكسب ود الرئيس الأميركي، قُدمت مقترحات لبناء برج ترامب في دمشق قبل إعلان أيار/ مايو. ومع ذلك، اعتبر زيادة أن الفوائد بالنسبة لسوريا واضحة، قائلاً: "تتطلب عملية الترميم وإعادة بناء البلاد دوراً كبيراً من المجتمع الدولي، ولا توجد دولة أخرى قادرة على حشد المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة".
بينما ذهب كل من هول وهايدمان وزيادة إلى أن الأمر التنفيذي، الصادر الأسبوع الماضي، جاء من دون شروط، فإن تخفيف العقوبات بشكل دائم قد يكون مشروطاً، وفقاً لمسودة لوزارة الخارجية الأمريكية تم تسريبها في أيار/مايو. وتضع المسودة خارطة طريق من ثلاث مراحل تنتهي بانضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
أشد العقوبات المفروضة على سوريا، بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019، ما تزال قائمة، رغم الحديث حالياً بإعفاء لمدة 180 يوماً. وفي حزيران/ يونيو، قدم مشرعون أمريكيون مشاريع قوانين في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ لإلغاء هذا القانون، رغم أن الجدول الزمني لذلك ما يزال غير واضح.
الانسحاب
بينما قوبل رفع العقوبات بالترحيب بوصفه فترة راحة ضرورية، تستعد الولايات المتحدة للتراجع عن جوانب أخرى من سياستها تجاه سوريا. سحبت واشنطن معظم قواتها من البلاد، ليصبح عدد الجنود 1,500 جندي، رغم التقارير التي تتحدث عن تزايد نشاط تنظيم "داعش". ومنذ مطلع العام الحالي حتى الشهر الماضي، نفذ تنظيم "داعش" نحو 300 هجوم في سوريا، استهدفت غالبيتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الحليف القديم لواشنطن في شمال شرق سوريا.
ترافق ذلك مع تقليص إدارة ترامب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في كانون الثاني/يناير. وكانت الولايات المتحدة، التي تعد سابقاً أكبر جهة مانحة للمساعدات في العالم، قد قدمت العام الماضي نحو ربع التمويل الإنساني في سوريا، أي حوالي 400 مليون دولار.
تعتبر هال أن تخفيضات الحكومة الأميركية للمساعدات وبرامج إعادة الإندماج في مخيم الهول بشمال شرق سوريا، حيث تُحتجز عائلات مقاتلي تنظيم "داعش"، تنذر بالخطر بشكل خاص، قائلة: "لم تكن هناك مساعدات أصلاً، أو لم تكن كافية، لإعادة دمج سكان مخيم الهول في مدنهم وبلداتهم، والآن لم يعد هناك حتى هذا الدعم المحدود". وأضافت أن "تنظيم الدولة الاسلامية" أو "داعش" وعناصر متطرفة أخرى قد تكون بمثابة سم قاتل لمستقبل البلاد وجهود إعادة الإعمار"، في إشارة إلى الهجوم على الكنيسة بدمشق الشهر الماضي، الذي كان يهدف إلى "إثارة البلبلة والغضب والانقسام والصراع". وقد حمّلت الحكومة السورية تنظيم "داعش" مسؤولية الهجوم، في الوقت الذي أعلنت جماعة غير معروفة تُدعى سرايا أنصار السنة مسؤوليتها عنه.
الانتقال السياسي
قال السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في إحاطة صحفية يوم الاثنين الماضي، إن الولايات المتحدة لن تقوم بعملية "بناء الدولة" في سوريا، مشيراً إلى أن الرئيس ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو "لا يمليان ولا يطالبان ولا يقدمان نموذجاً ديمقراطياً يجب تنفيذه وفقاً لهندستهما أو رغباتهما".
قالت هول: "الشرع أدرك الرسالة الضمنية بأن معظم دول المنطقة والولايات المتحدة لا يعطون الأولوية، على أقل تقدير، للديمقراطية في البلاد، لذا فهو يعطي الأولوية لترسيخ السلطة والتنمية الاقتصادية". لن تُجرى انتخابات في سوريا قبل أربع أو خمس سنوات، في حين سيتم اختيار ثلث أعضاء البرلمان من قبل الشرع. أما الأعضاء الباقون فسيتم اختيارهم عبر لجان انتخابية، تُشكلها لجنة عليا يعيّنها الشرع نفسه. وقد أُسندت الحقائب الوزارية الرئيسية إلى أعضاء من حكومة الإنقاذ السورية السابقة التابعة للشرع.
حذر كل من هايدمان وهول من أن فشل الانتقال الديمقراطي في البلاد كما هو مخطط له قد يؤدي إلى عدم الاستقرار. قال هايدمان: "قد نشهد تعبئة جماهيرية بهدف التأثير على الحكومة، وقد نشهد ارتفاعاً في مستويات الاحتجاجات، وربما تزايداً في حالة انعدام الأمن". وأضافت هول: "معظم المطالب الأميركية كانت ذات طابع أمني، ولم تتطرق إلى قضايا قد تؤدي لاحقاً إلى مشكلات أمنية".
من جهته، قال زيادة: "سيكون هناك ضغط على سوريا للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. الإدارة الأمريكية تركز على هذه القضية، وليس على القضايا الديمقراطية أو حقوق المرأة أو أي قضايا متعلقة بالحكم". منذ سقوط نظام الأسد، اعتدت إسرائيل على الأراضي السورية، ونفذت مئات الغارات الجوية، وأثارت التوترات الطائفية، وهي تحركات قوبلت بقليل من رد الفعل من واشنطن.
قال هايدمان أن وجود إسرائيل في سوريا "يزعزع الاستقرار بشكل عميق… وهو غير مثمر استراتيجياً ودبلوماسياً". ومع ذلك، "تشعر إسرائيل بشيء من القلق حيال توجه السياسة الأميركية، وسرعة تصالح الولايات المتحدة مع حكومة الشرع والاعتراف بها". وقال المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، لوسائل إعلام أميركية يوم الخميس الماضي إن واشنطن تسهل حواراً "ذا مغزى" بين دمشق وتل أبيب.
بغض النظر عن أي اتفاق بين إسرائيل وسوريا، يتوقع هايدمان أن تنكفئ الولايات المتحدة، بينما تتولى القوى الإقليمية – سواء دول الخليج أو تركيا – زمام القيادة في سوريا، قائلاً: "لا أعتقد أن ترامب يعتبر سوريا أولوية في السياسة الخارجية الأميركية، إلا بقدر ارتباطها بقضايا الولايات المتحدة مع إيران أو إسرائيل. بخلاف ذلك، أشعر أن إدارة ترامب ستحافظ على حضور منخفض نسبياً في سوريا".