في مشهد أثار جدلاً واسعاً، قام المنشد أحمد حبوش، خلال فعاليات "لعيونك يا حلب" في 30 حزيران الماضي، باستبدال كلمات الذكر في أنشودة دينية بعبارة "يا أحمد الشرع منحبك"، في تكرار لنغمة الهتاف التي لازمت حقبة بشار الأسد. أثارت هذه الحادثة ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصلت إلى حد رفع دعوى قضائية ضد المنشد.
تكمن أهمية الحادثة في ثقلها النفسي، حيث سبق لحبوش أن أنشد لبشار الأسد بعد سقوط حلب عام 2016، مما جعل المشهد استعادة لصوت لم يمت، بل عاد ليتموضع باسم جديد، في مشهد يثير تساؤلات حول ما إذا كان الصوت السوري قد تحرر من العباءة الأسدية، أم أنه ما زال يكرر ذاته بتغيير الاسم فقط.
إن إدخال اسم الحاكم في الأناشيد الدينية أو الأغاني الوطنية ليس استثناءً، بل نمط متكرر في تاريخنا السياسي والفني. فقد اشتهر المنشد توفيق المنجد في التسعينيات بأناشيده التي تحولت إلى مديح لحافظ الأسد، وسارت على نهجه فرق مثل "مداح الحبيب"، التي مزجت اسم بشار بالمدائح النبوية. وفي الجانب "الدنيوي"، غنى جورج وسوف للأسد الأب، وغنى أيمن زبيب لبشار. وحتى أم كلثوم غنت للملك فاروق ثم لعبد الناصر. في كل تلك الحالات، بدا أن الصوت لا ينتمي للمغني، بل للسلطة السائدة.
لفهم هذه الظاهرة، يجب التوقف عند مفهوم التكرار في الطب النفسي، ودوره في تخفيف القلق. هذا الميل للتكرار شغل المحللين النفسيين منذ فرويد، الذي لاحظه لدى حفيده وهو يكرر لعبة "فورت–دا" ليخفف قلق غياب الأم. هذا التكرار يظهر بشكل واضح في حالات القلق الشديد، كما في الوسواس القهري.
تميل المجتمعات إلى تكرار تقاليد مرهقة، كغلاء المهور، رغم ما تسببه من إنهاك اقتصادي واجتماعي، لكن تلك الطقوس تمنح شعوراً بالتماسك. وهكذا، يصبح تمجيد الحاكم طقساً نفسياً مريحاً، يعيد ترتيب عالم النفس القلق.
ما يعزز هذا التحليل هو ما رأيناه في الشتات السوري، حيث أعاد البعض إنتاج العلاقة ذاتها مع السلطة، وأطلقوا على المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ألقاباً مثل "ماما ميركل". ليست العلاقة هنا سياسية بقدر ما هي إعادة تفعيل لبنية الطفولة، حيث الحاكم هو الأب، والولاء له يشعر بالأمان.
الخروج من هذه البنية يتطلب كسراً واعياً لعادة التكرار القديمة، وخلق عادات تكرار جديدة. ما نحتاج إليه هو تفكيك بنية عمرها قرون، أشار إليها ابن خلدون حين تحدث عن العصبية كأساس للحكم. نحن بحاجة إلى بناء تقاليد جديدة، تكون قابلة للتكرار، لكن لا تقوم على الطاعة، بل على الحقوق والقانون والانتماء المؤسساتي.