الثلاثاء, 15 يوليو 2025 01:49 AM

سنية صالح: ثلاثة كتب بغلاف واحد.. قراءة في تجربة شعرية تتحدى الزمن

سنية صالح: ثلاثة كتب بغلاف واحد.. قراءة في تجربة شعرية تتحدى الزمن

"جسدُ السماء مُظلمٌ وحزين، فليكن حد الليلُ آخرَ المطاف.. الإضاءةُ وهميةٌ ومؤقتة، وأكثرُ حساسيةً أجنحةُ الصمت.." هذه المصطلحات النقدية وغيرها لازمت تجربة الشاعرة السورية سنية صالح (1935-1985)، وتكررت في كل مناسبة تتناول تجربتها، سواء عند إصدار كتاب أو إقامة ندوة. إلا أن تجربة هذه الشاعرة الاستثنائية، إن لم تنفِ تلك المصطلحات، فإنها على الأقل تجعلها غير دقيقة.

سبق الاحتفاء بنتاج سنية صالح في ثلاثة إصدارات: "وقائع الندوة النقدية – سنية صالح شاعرةٌ في الظل" الذي أعدّهُ كلٌّ من إسماعيل مروة ونزيه خوري، وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب. كما أصدرت وزارة الثقافة "الأعمال الكاملة" للشاعرة سنية صالح سنة 2006، وهو المرجع الأشمل الذي يجمع نتاجها في كلِّ ما كتبت، وليس شعرها فقط. وأصدرت دار المدى العراقية كتابها "الأعمال الكاملة" أيضاً.

اللافت في الكتب الثلاثة هو اعتمادها الغلاف ذاته، مما يكرس صورة أحادية عن هذه الشاعرة المتنوعة صاحبة التجربة الغنية. كما اعتمد الكتاب الأحدث ("وقائع ندوة نقدية") الكثير من المُصطلحات النقدية التي وردت في الكتابين السابقين وفي الكثير مما كُتب عن صاحبة "ذكر الورد". فكيف لشاعرة أن تكون في "الظل" وقد تغنى بتجربتها العشرات نقداً ودراسة وقراءة، وفتحت قصائدها دروب الإبداع لعشرات الشاعرات؟ وكيف لـ"معطف" شاعرٍ أن يحجب بريق تجربة استثنائية كتجربة سنية صالح؟

"أيها الرجلُ الشامخُ كالتاريخ؛ أغمرني.. أغمرني بحبك وملحك، وأمواجك.. أنا الغابة المُلتهبة بالحب.." غالباً ما توصف الشاعرة صالح بالشاعرة الصامتة، أو شاعرة الظل، وغير ذلك من مفردات الإنواء. صحيح أنّ سنية صالح عاشت معظم سني عمرها قرب شاعرٍ إشكالي هو زوجها الشاعر محمد الماغوط، إلا أن تجربتها ظُلمت إعلامياً بسبب مجاورتها لتجربة الماغوط إنسانياً وإبداعياً. ومع ذلك، لم يستطع الصمت أن يُخفف من وهج صوتها الشعري.

"ماذا تفعلُ في الحرب؟؟ أهرب، أغني مثل غراب، أمرض، ربما أموت.. وأنت؟ ألتصق أكثر وأكثر بمن أحب.." إن وصف "شاعرة في الظل" لا يليق بتجربة صاحبة "الزمن الضيّق"، التي لا تزال شمسها مُشرقة في المشهد الشعري العربي كله، وليس السوري فقط. فقد "كان الشعر شطراً صميمياً من حياتها.. كان وصيتها وصوتها الذي يبقى.." كما تصفها شقيقتها الناقدة خالدة سعيد في مُقدمة الأعمال الكاملة.

كانت سنية صالح تكتب القصيدة كأسلوب حياة، وليس استعراضاً أنثوياً. لم يُعرف عنها شغفها بقراءة الشعر أو كتابته إلا عندما فاجأت الجميع بفوز قصيدتها "جسد السماء" بجائزة الشعر التي أعلنتها جريدة النهار سنة 1961. كانت صامتة، ودخلت دائرة الشعر بلا مُقدمات، ومن خارج المورثات والمألوف والتيارات الجديدة. وعندما سُئلت عمّا إذا كان شعرها يصدر عن تجربة أم عن ثقافة، أجابت: الشعر عملية عبور النار، اشتعال الجسد والعقل والمُخيلة بحمى الكشف.

عاشت سنية مُغلفة بيقينها الشعري، مُتعلقة بالأمل الذي يجيء من لدن الشعر، ولائذة بعصمة الحقائق الشعرية. كان الشعر وعدها وعزاءها ومفتاح السر. ولا نكاد نلمس مرارة أو خيبة إلا في قصيدتها الأخيرة "غراب يطلب الغفران".

تذكر خالدة سعيد أن شعر سنية صالح شعرٌ على حدة لا يُشبه أحداً، وليس منضوياً في تيار. شعرٌ لحزنٍ موحش ينبجسُ من الجوهر الأنثوي الخالق المطعون المسحوق عبر التاريخ. لا نجد هنا شاعرية الجملة والالتماعة أو المفاجأة، فالجمال في صوره التقليدية غائب. سنية تُعمّر المشهد بالمفارقة كأنها تعدّ لفيلمٍ سريالي: أساس من الطفولة والملائكة والدمى والشعر والحب، محكوم بقانون الجلادين. ليس هنا الحزن ندباً وأنيناً، بل هو تحديق في المصير.

"ماذا يُريدُ نهر الحب والأنين؟؟ بعد أن أوقف جيادي بقوة حرابه.. وأنا أكثرُ وحدةٍ من امرئٍ على أبواب الإعدام.."

ربما لا يعرف الكثيرون أن سنية صالح لم تكتفِ بالشعر وحده، فقد كتبت القصة القصيرة أيضاً، ونشرت مجموعة قصصية واحدة سنة 1982 بعنوان "الغبار" عن مؤسسة فكر للأبحاث والنشر. وقد جاء في كلمة التعريف على الغلاف: شعرها مُبطن برؤية قصصية تتمثّل في نوعية قراءتها للحركة.. قصيدتها ترسّم لمسار الكائن لحظة يخترقه العالم..

أعمال الشاعرة سنية صالح هي خمس مجموعات شعرية: الزمان الضيّق- 1964م، حبر الإعدام – 1970م، قصائد- 1980م، ذكر الورد – 1988م، قصائد غير منشورة. ولها أيضاً مجموعتان قصصيتان: الغبار – 1982م، وقصص غير منشورة، إضافةً للكثير من الكتابات النقدية، وقد جمع كل ذلك في "الأعمال الكاملة" من إصدار وزارة الثقافة.

"المرأةُ الملونة.. هي أنا، والبحيرةُ ذات الأمواج العالية، والريح.. الريحُ هي أنا، أيتها الريح من أنت؟؟"

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: