الخميس, 17 يوليو 2025 11:42 PM

قانون التمويل العقاري المرتقب: هل ينعش الاقتصاد السوري ويخفف من أزمة السكن؟

قانون التمويل العقاري المرتقب: هل ينعش الاقتصاد السوري ويخفف من أزمة السكن؟

ترى إخلاص علي أن المقترحات الحالية لن تحل مشكلة امتلاك منزل في سوريا، معتبرة أن جوهر المشكلة يكمن في مستوى الدخل وليس في التمويل نفسه. وتضيف أن أي شركة تمويل لن تستطيع مساعدة شخص يحتاج لعقود من الزمن لشراء منزل براتبه كاملاً، فما بالك بجزء منه فقط؟

وتشير إلى أن ارتفاع أسعار المنازل وتكاليفها يمثل مشكلة أخرى، نتيجة استخدام طرق بناء تقليدية تبتعد عن التقنيات والمواد الحديثة، مما يجعل أسعار المنازل في سوريا أعلى من مثيلاتها في العديد من عواصم العالم، رغم الفارق في الخدمات.

أثارت تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، حول وضع قانون يتضمن نظاماً متكاملاً للتمويل العقاري وفق أسس علمية ومستدامة، جدلاً واسعاً بين الخبراء الاقتصاديين والعقاريين.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أن حل المشكلة العقارية في سوريا لا يقتصر على إنشاء هيئات تمويل وتطويرها، على الرغم من أهمية ذلك. ويؤكد على وجود خطوات أكثر أهمية يجب العمل عليها أولاً، وعلى رأسها رفع دخل المواطن، مشيراً إلى أن المواطن قد يحتاج إلى 300 أو 400 عام لشراء منزل إذا ادخر راتبه وتخلى عن الأكل والشرب.

وفي حديثه لـ"الثورة"، أوضح يوسف أن المستفيد الوحيد من إنشاء مثل هذه الهيئات هم التجار والشركات العقارية الضخمة التي ستدخل إلى سوريا في المستقبل، مؤكداً أن المواطن لن يستفيد منها في حال لم يتم تحسين مستوى الدخل والمعيشة بشكل عام.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا أن تطوير التمويل العقاري يمثل نقلة نوعية لتحريك سلسلة من القطاعات. ويقول: "عندما يتم تطوير منظومة التمويل العقاري بشكل فعال، فإن ذلك لا يقتصر على بناء منازل جديدة وحسب، بل يمتد إلى قطاعات أخرى متعددة ومتداخلة تزيد عن 160 قطاعاً مرتبطاً ليشمل تحريك عجلة الاقتصاد بأكمله. فكل وحدة سكنية تُبنى تخلق فرص عمل في قطاعات متعددة مثل البناء، والمواد الخام، والخدمات، مما ينعش الاقتصاد المحلي ويخفض معدلات البطالة. كما أن توفير قروض ميسرة للسكن يمكن أن يساعد الأسر السورية على الاستقرار والعيش بكرامة، خاصة بعد سنوات من النزوح والتشرد."

وحول حجم التمويل المطلوب لإحداث حراك عمراني يحد من مشكلة السكن، يقول كوسا إن الإحصاءات الحديثة لعام 2025 تشير إلى أن نسبة تغطية التمويل العقاري لا تتجاوز 26.4 بالمئة من حجم الإنفاق على العقارات السكنية، مما يعني أن أكثر من 73 بالمئة من المشترين لا يعتمدون على القروض العقارية، وهو مؤشر على ضعف قدرة النظام المصرفي على تلبية الطلب الكبير على السكن. كما أن الطلب السنوي على وحدات سكنية جديدة يُقدر بـ 900,000 وحدة، نتيجة النمو السكاني وعودة المهجرين، في حين يُقدّر عدد المنازل المدمرة بفعل الحرب بنحو 2.9 مليون منزل، منها 850 ألف مبنى مدمر كلياً.

ويضيف كوسا أن معظم التمويل العقاري المتاح يأتي من المصرف العقاري بنسبة 85.24 بالمئة، بينما تشارك المصارف الخاصة بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 14.76 بالمئة، مما يبرز الحاجة إلى تنشيط دور البنوك الخاصة والمؤسسات التمويلية البديلة.

ويشير كوسا إلى أنه مع تصاعد تكلفة إعادة الإعمار، التي تُقدر بما يقارب 400 مليار دولار حسب البنك الدولي، تبدو الحاجة ملحّة لتطوير آليات تمويل سكني فعالة، خصوصاً أن البلاد تحتاج بصورة عاجلة إلى بناء أكثر من مليوني وحدة سكنية لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات السكنية الحالية.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تعيق التمويل العقاري، أوضح كوسا أن هناك تحديات جوهرية تُعيق تطوير التمويل منها: ضعف قدرة البنوك على تقديم القروض العقارية في ظل المخاطر الاقتصادية وعدم استقرار السوق، غياب التشريعات العقارية الحديثة التي تضمن حقوق الملكية وتحمي الأطراف المتعاقدة، وارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء نتيجة تدهور البنية التحتية، مما يصعّب على الكثيرين تحقيق حلم السكن الكريم.

وحول تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي المتعلقة بوضع قانون متكامل للتطوير العقاري، قال كوسا: "هذا أمر جوهري، فالحكومة بحاجة إلى بناء استراتيجية شاملة تبدأ بإعادة هيكلة هيئة التمويل العقاري لتكون أكثر كفاءة ومرونة، وإنشاء مؤسسات تمويلية جديدة حكومية وخاصة، تقدم قروضاً ميسّرة طويلة الأجل، وهذا ما أعلنه مصرف سوريا المركزي بتوجه جديد يستند إلى نماذج التمويل العقاري في الدنمارك وكندا، ويشمل إنشاء هيئة مستقلة وصندوق ضمان لتنظيم السوق العقاري."

مشاركة المقال: