في فضاء مسرحي يتجاوز الزمان والمكان، تنطلق مسرحية "عوز" لتغوص في أعماق الأسئلة الوجودية التي تشغل الإنسان، مثل الوحدة والعنف والعاطفة والخوف من التقدم في العمر، مع دعوة صريحة لتبني الحب كمخرج. هذا العرض المسرحي يرسم ملامح الرغبات الإنسانية الدفينة من خلال أربع شخصيات مجهولة الاسم، تمثل نماذج مختلفة من المشاعر والأولويات والتفكير. تواجه هذه الشخصيات، في مكان وزمان غير محددين، تساؤلات جوهرية حول الوجود الإنساني، كالحب والحياة والخوف والعنف والجنس والوحدة، بالإضافة إلى هاجس التقدم في العمر والألم النفسي والفكري، لتلتقي وتتقاطع في أسئلتها، وتتفق في النهاية على تبني الحب.
"عوز" هي عمل مسرحي للكاتبة البريطانية سارا كين، من إخراج ديما أباظة، وتمثيل كل من إليانا سعد ونانسي خوري وشريف قصار ومصطفى خيت، ويُعرض على مسرح دار "الأوبرا".
نمط مسرحي غير تقليدي
يندرج هذا العرض ضمن ما يعرف بـ "مسرح الصدمة"، وهو نوع يعتمد على تقديم الأفكار بشكل غير متصل، بعيدًا عن الحبكة التقليدية والشخصيات النمطية. بدلاً من ذلك، يترك للمشاهد حرية بناء الأفكار وفهمها الخاص من خلال الجمل التي تتفوه بها الشخصيات، والتي قد تلتقي لتشكل حوارًا أو تتباعد لتعكس الاختلاف. هذا النمط، الذي يشهد تقديمه الأول في المسرح السوري، يمثل خروجًا عن المألوف في الأعمال المسرحية.
الفنانة إليانا سعد أوضحت أن المسرحية تنتمي إلى نوع "post modern" (ما بعد الحداثة)، حيث لا يوجد زمان أو مكان محددان، ولا رابط واضح بين الشخصيات، التي تظهر على شكل "شذرات" تحمل أسماء أحرف "A, B ,C ,M". تتواصل هذه الشخصيات وتنفصل في لحظات متناوبة، مما يجعل المتفرج يشعر تارة بأنها صوت واحد، وتارة أخرى بأنها أصوات مختلفة.
الفنانة نانسي خوري اتفقت مع هذا الرأي، وأشارت إلى أن المسرحية تواجه الحقيقة والواقع بأسلوب ما بعد الحداثة، متجاوزة وحدة الزمان والمكان وفكرة المسرح الكلاسيكي، ليخوض المتلقي رحلة بحث شخصية يحدد هو مكانها وزمانها.
مواجهة الواقع
أكدت الفنانة نانسي خوري أنه بغياب أسماء الشخصيات، تتلاقى أسئلتهم وتتقاطع في اتجاهات مختلفة، خاصة وأن هذه الشخصيات الأربع عاشت علاقات متصلة تحولت فيما بعد إلى علاقات منفصلة. تعاني الشخصيات من أزمات متعددة، كأزمة العمر والحب، وكلما اقتربت أصواتهم من الاتفاق، ظهرت مظاهر البعد بينهم، وكإسقاط على الواقع، يعيش كل شخص بمفرده في جزيرته الخاصة عبر هاتفه، مع غياب التواصل الحقيقي، وهو ما عبرت عنه إليانا سعد بأنه "تطبيق لنظرية الخلاص الفردي التي لا تؤمن بها".
وحول شخصية "M" التي قدمتها، والتي تعاني من رهاب التقدم بالعمر، أوضحت سعد أن أغلبية النساء أو الأشخاص يخشون التقدم في السن، خاصة من ناحية زوال أثرهم، لذلك كانت الشخصية تصر على الإنجاب لترك بصمة حقيقية، معبرة بذلك عن شخصية الأم.
أما الفنانة نانسي خوري، فأشارت إلى أن رسالة العمل هي تبني الحب، وهي دعوة للفنانين السوريين للعمل معًا، وتعبر عن استمرارية المسرح السوري وأهميته لدى الجمهور.
إقبال جماهيري يؤكد رمزية المسرح
حظي العرض المسرحي "عوز" بإقبال كبير من الجمهور، مما يؤكد على رمزية المسرح وأهميته. الفنانة إليانا سعد أشارت إلى أن هذا الإقبال، والتفاعل مع العرض رغم حداثة أسلوبه، يدل على فهم الجمهور للفكرة التي يطرحها العمل، وعلى استمرار أهمية المسرح.
بينما ترى الفنانة نانسي خوري أن الإقبال الكبير والآراء الإيجابية تعكس أهمية المسرح لدى الجمهور حتى اليوم، وهي رسالة تدعو إلى استمرارية العمل المسرحي. تميز العرض ببناء مشهدي بصري أضاف إليه الإثارة والاستغراب والتكامل، خاصة الإضاءة التي كانت من تصميم محمد نور، بالتعاون مع الموسيقا التي ألفها آري جان.