يتطلب استيعاب الأقوال والأمثال الشعبية المتداولة قدرة عقلية فائقة، كما يرى خطيب بدلة. فعند سماع مقولة "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، قد يعجز المرء عن فهم كيفية الكتابة على الجبين، واللغة المستخدمة، ونوع القلم. وإذا افترضنا إمكانية هذه الكتابة، فالسؤال الأصعب هو كيف سترى العين ما هو بعيد عنها، ألا يقال "العين ما بتعلا على الحاجب"؟
إن مصطلح "الأصل" يتردد في حياتنا وأغانينا وأمثالنا وحكمنا، ومع ذلك لا نفهمه. ما هو "الأصل"؟ هذا المصطلح يحتل مساحة واسعة في لغة أهلنا وفلسفتهم. فالفتاة المقبلة على الزواج توصف بأنها "أصيلة"، وقد يبالغ البعض فيقول "أصيلة الجدين" أو "أصيلة ومسلسلة"، أي أن سلسلة أجدادها الأصيلين متصلة دون انقطاع.
تأتي هذه الأوصاف استجابة لمتطلبات سوق الزواج، حيث المثل القائل: "خود الأصيلة ونام على الحصيرة". وهناك حكمة أخرى تقول "استأصل لابنك، واستكوس لبنتك"، أي اختر لابنك فتاة أصيلة، وابحث لابنتك عن شاب "كويس".
المطرب المصري الصعيدي محمد طه يغني مواويل تنتهي بعبارة "ع الأصل دور"، وقد استوحى الكوميديان سمير غانم من ذلك فصلًا مضحكًا. وحتى خطيب بدلة نفسه ألف موالًا مشابهًا ينتهي بـ "ع الأصل دور".
في فترة من حياتنا، قرأنا دراسات ومقالات واستمعنا إلى محاضرات عن ثنائية "الأصالة والمعاصرة". وبعد تفكير عميق، نجد أمثلة مبسطة تصلح لتعليم الأميين، كأن يرسم الفنان التشكيلي معارك عنترة وسيف بن ذي يزن إذا كان مع الأصالة، أو يرسم موبايل آيفون أو طائرة قاذفة (B2 spirit) إذا كان مع المعاصرة.
ويرى البعض أننا لا مكان لنا على مائدة الحضارة الإنسانية، فبدلًا من أن نبدع أفكارًا وفنونًا قريبة من فهم الإنسان، نعقد المفاهيم أو نستوردها من الغرب ونترجمها ونعتبرها خاصة بنا.