الثلاثاء, 15 يوليو 2025 05:30 AM

المسرح السوري يئن تحت وطأة القيود ونقص الدعم: هل هو في حالة موت سريري؟

المسرح السوري يئن تحت وطأة القيود ونقص الدعم: هل هو في حالة موت سريري؟

يعتبر المسرح، كما يصفه أمير حقوق، "أبو الفنون" ورمزًا للثقافة والحياة، فهو حاضنة للأفكار ومرآة تعكس المجتمع بصدق وإبداع. يعتبر المسرح من أقدم الفنون التي عرفتها الإنسانية، وفي سوريا، يحتل مكانة خاصة كمنبر ثقافي وفني يعكس نبض المجتمع الاجتماعي والثقافي، حيث تتناول الأعمال المسرحية قضايا اجتماعية وإنسانية وسياسية متنوعة.

تحديات تواجه المسرح السوري

تشهد الحركة المسرحية في سوريا تراجعًا ملحوظًا مقارنة بالدول الأخرى، مع انخفاض عدد العروض المسرحية وخروج العديد من المسارح عن الخدمة، بالإضافة إلى نقص الدعم من القطاع الخاص. يصف المخرج المسرحي والمدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، مأمون الخطيب، الوضع الحالي بأنه "حالة جمود شبه تام وموت سريري"، مشيرًا إلى تراجع الاهتمام بالمسرح والنظرة العامة إليه كفن مدني، بالإضافة إلى النظرة المنقوصة لأهمية الثقافة ودورها الطليعي.

يعزو الخطيب هذا التراجع إلى عدة أسباب، منها انهيار البنية التحتية الثقافية، وتفكك دور الدولة كمؤسسة إنتاجية وثقافية، وهجرة الكفاءات المسرحية من مخرجين وممثلين وكتاب، خاصة الذين يحملون خطابًا حرًا أو تجريبيًا، وغياب الجمهور الحقيقي بسبب تبدل الأولويات المعيشية والأمنية، وانقطاع العلاقة بين الناس والمسرح. بالإضافة إلى ذلك، يرى الخطيب أن هيمنة الدراما التلفزيونية التجارية كمصدر دخل ووهم شهرة، جعلت المسرح يبدو رفاهية خاسرة، مع غياب الدعم النقدي والفكري من الأكاديميات والجامعات، وتفريغ النقاش المسرحي من مضمونه.

مقترحات لإحياء المسرح السوري

يحتاج المسرح السوري اليوم إلى مجموعة من الاحتياجات والأولويات التي تساهم في استئناف إنتاجيته وعودة غزارة عروضه. يقترح المخرج مأمون الخطيب إعادة بناء استراتيجية وطنية ثقافية تضع المسرح كأداة وعي وبناء اجتماعي، وإطلاق صناديق دعم إنتاجي مستقل خارج إطار الرقابة السياسية لتمويل نصوص جديدة وتجارب شابة، وتأهيل المسارح تقنيًا لتصبح بيئة مهنية.

كما يرى الخطيب ضرورة دمج المسرح بالمدارس والجامعات وخلق مسارح مجتمعية تصل إلى الريف والضواحي، ومنح الحريات التعبيرية للفنانين لنقد الواقع بلا خوف أو رقابة.

نحو شراكة ثقافية حقيقية

يطمح العاملون في المسرح إلى اهتمام الحكومة بالمسارح وتقديم الدعم المطلوب بكافة أشكاله، بعد سنوات من التجاهل. يدعو المخرج مأمون الخطيب الحكومة إلى الخروج من دور الرقابة إلى دور الشراكة الثقافية، والتعامل مع المسرح كمؤسسة فكرية لا كتهديد سياسي، وتمويل الإنتاج المسرحي عبر مسابقات شفافة، ودعم العروض التي تُعرض خارج العواصم.

يرى الخطيب أن الحرية المتاحة اليوم للمسارح شكلية، وأن الرقابة لا تمارس فقط عبر الحذف، بل عبر الرقابة الذاتية والخوف الجماعي. ويطالب بتحول جذري في آلية عمل لجنة الرقابة، من رقابة شكلية إلى لجنة تقييمية تشجع الحوار والنقد، مع إلغاء الرقابة القمعية والاكتفاء بالملاحظات الفنية، وإطلاق حرية التأليف والتجريب.

الحفاظ على مكانة المسرح السوري

يشهد المسرح عزوف نجومه عنه بسبب المجهود الكبير وطول مدة التدريب مقابل عائد مادي قليل. يوضح المخرج مأمون الخطيب أن الفنان بحاجة إلى دخل يحترم تعبه، والمسرح السوري لا يقدم له سوى الإرهاق وخيبات متراكمة، بينما الدراما التلفزيونية تعطي المال ولو بلا مضمون. ويرى أن الحل يكمن في جذب الفنان إلى بيئة إنتاج مسرحي تليق بالفن والفنان، مع تمويل عادل، وجمهور حقيقي، وحرية تعبير، وتقدير اجتماعي، واحترام كامل من المعنيين بالثقافة ودورها.

يختتم الخطيب بأن المسرح السوري يحتاج إلى إعادة بناء من الجذور، ثقافيًا ومؤسساتيًا وفنيًا وأخلاقيًا، وثورة ثقافية تحترم الكفاءات الحقيقية والتاريخ العريق للمسرح السوري. وكان الكاتب والممثل المسرحي غزوان البلح قد طالب في لقاء سابق برفع سقف الرقابة على النصوص المسرحية لتتناسب مع المرحلة الحالية التي تتسم بالحرية، مؤكدًا أن الأسس الموضوعة من قبل لجنة الرقابة هي نفسها المعتمدة منذ عهد النظام السابق.

يذكر أن المسرح السوري شهد مؤخرًا عرض مسرحيتي "سوق الأسئلة" من تأليف غزوان البلح وإخراج محمد حميرة، و"كل عار وأنتم بخير" للأخوين ملص.

مشاركة المقال: