عشية المحادثات النووية المرتقبة بين إيران والترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) في إسطنبول بعد غد، كثفت طهران مشاوراتها مع موسكو وبكين، في مسعى لتأمين دعم حلفائها قبل هذا الاجتماع الهام. فبالإضافة إلى زيارة علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، إلى روسيا ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، عقد دبلوماسيون من الدول الثلاث اجتماعاً في طهران، حسبما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي.
أوضح بقائي أن الاجتماع، الذي جرى على مستوى المدراء العامين لوزارات الخارجية، تناول التهديد الذي أطلقته الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي لعام 2015، بشأن إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران من خلال تفعيل "آلية الزناد". كما ناقش الاجتماع كيفية تعامل طهران وموسكو وبكين، وهي أطراف أخرى في الاتفاق، مع هذا التهديد.
تأتي هذه المشاورات المكثفة في أعقاب الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، بهدف حشد الدعم، خاصة في مجال ترميم القوة الدفاعية الإيرانية، وتحديداً أنظمة الدفاع الجوي والمقاتلات المتطورة. وتنظر إيران إلى احتمال تجدد الهجمات الإسرائيلية كاحتمال وارد وكبير، وتسعى لسد الثغرات لمنع ترسيخ معادلة أمنية جديدة لا تصب في مصلحتها.
تهدف المحادثات أيضاً إلى إشراك الحليفين في العمل الدبلوماسي مع الغرب، بهدف إيجاد آلية تساعد إيران في إبرام اتفاق ملائم بشأن برنامجها النووي. وترى السلطات الإيرانية أن المطالب الأميركية الحالية تمثل مطالب الحد الأقصى، وترفض توقيع اتفاق يُستشف منه "الاستسلام".
تأمل طهران أن تتمكن بكين وموسكو من لعب دور الوسيط بينها وبين الغرب، والمساهمة في خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق متوازن. وتشير مصادر مطلعة إلى أن أهم محاور المداولات بين لاريجاني وبوتين تناولت العمل على كسب المزيد من الدعم العسكري الروسي، وكذلك اضطلاع موسكو بدور في المفاوضات النووية.
بالتوازي، هدف اجتماع طهران الثلاثي إلى تنسيق المواقف عشية المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية. يذكر أن الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015 بين إيران وكل من الصين وروسيا وأميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ينص على تقييد البرنامج النووي الإيراني وتعزيز عمليات المراقبة الدولية له، مقابل رفع العقوبات الأميركية والأممية عن طهران.
على الرغم من أن هذا الاتفاق فقدَ مغزاه مع انسحاب أميركا منه في نيسان 2018، وعودة العقوبات الأميركية على إيران، وتخفيض الأخيرة التزاماتها تدريجياً ابتداءً من نيسان 2019، إلا أن هيكليته الحقوقية لا تزال قائمة بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن. ويشتمل القرار المذكور على "آلية الزناد" التي تسمح لأي من الأعضاء في الاتفاق، في حال "الانتهاك الأساسي" له من جانب إيران، بالعودة التلقائية إلى جميع العقوبات الأممية، من دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن. ويمكن تفعيل هذه الآلية في 18 تشرين الأول 2025، إذ ينقضي موعد الالتزامات النووية الإيرانية.
نظراً إلى الانسحاب الأميركي من الاتفاق وتقارب مواقف روسيا والصين في شأنه، فإن الدول الأوروبية الأطراف في "خطة العمل المشتركة الشاملة" تتخذ مواقف متشددة تجاه إيران وتهدد بتفعيل تلك الآلية، في محاولة لتعزيز دورها في هذا الملف. وأكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أخيراً نية الأوروبيين المضي قدماً في هذا الاتجاه بنهاية شهر آب المقبل، إذا لم يحصل تقدم ملموس في المفاوضات النووية. وسيتسبب ذلك بتحويل الملف النووي الإيراني ثانية إلى قضية دولية وأمنية، ويمكن أن يؤدي إلى تكثيف الضغوط على طهران وحتى بناء شرعية لمواجهتها. ولذا، تولي إيران اهتماماً للمحادثات مع الأطراف الأوروبية، ومع حلفائها أيضاً، بهدف الحيلولة دون تفعيل "آلية الزناد".
يقول مصدر في وزارة الخارجية الإيرانية إن "أحد الخيارات المطروحة على طاولة المفاوضات بين إيران وأوروبا يتمثل في تمديد مهلة تفعيل آلية الزناد، وذلك في إطار إصلاح القرار 2231". ويوضح المصدر أن "ثمّة احتمالاً لتمديد المهلة لعدّة شهور أخرى، في حال تحقيق تقدّم في المفاوضات". ويضيف أنه "ليس مستبعداً أن تكون الدول الأوروبية في صدد حفظ آلية الزناد لكي تحافظ على ثقلها في المعادلات المتعلّقة بالملف النووي الإيراني"، مؤكّداً أنّ "إيران ترحّب بقرار كهذا، لأنه يمنحها فرصة للحراك والتنفّس من أجل اتّخاذ الإجراءات الدبلوماسية. كما أنّ روسيا والصين، تعارضان تفعيل الآلية في الوقت الراهن".
ويتابع المصدر إن "أوروبا طلبت من طهران السماح بعودة مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران واعتماد سياسة أكثر شفافية تجاه برنامجها النووي، وكذلك اليورانيوم المخصّب، لكي تمتنع مقابل ذلك عن تفعيل آلية الزناد في الوقت الحاضر".
ليس واضحاً بعد ما إن كانت إيران ستلبّي المطالب الأوروبية حالياً، أم أنّ الدول الأوروبية ستعلن في إطار حفظ "آلية الزناد"، عن موافقتها على تمديد القرار 2231 والمهلة المتعلّقة بتلك الآلية حتى من دون إجراء إيراني ملموس.
وفي هذا الشأن، أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، "أننا سنحاول معرفة الحلول المشتركة التي يمكننا التوصّل إليها لإدارة الوضع"، مؤكّداً، في تصريح، أنّ "تفعيل آلية الزناد إجراء غير قانوني تماماً، وليس له أي أساس قانوني"، مضيفاً إنّ "الاتفاق النووي لم ينفّذ منذ سبع سنوات، وقد أوقفت الدول الأوروبية الالتزام بتعهّداتها بعد انسحاب واشنطن منه، وهي لم تنفّذ خطة العمل المشترك الشاملة، والآن ترید من إيران أن تلتزم بتعهّداتها". ويتابع إنّ "إيران شرحت مخاطر مثل هذا الإجراء وستشرحها مرة أخرى".