الإثنين, 28 يوليو 2025 06:03 PM

جريمة مروعة في سوريا: ثانية فاصلة بين الحياة والموت بسبب الهوية

جريمة مروعة في سوريا: ثانية فاصلة بين الحياة والموت بسبب الهوية

يروي غزوان قرنفل قصة مأساوية تجسد الانقسام الطائفي في سوريا. ثانية واحدة فقط فصلت بين سؤال القاتل للضحية عن هويته الدينية، وهل هو مسلم أم درزي، وبين وابل الرصاص الذي أودى بحياته. لم يرق للقاتل أن يكون الضحية سورياً، فأصر على معرفة انتمائه الديني ليقرر مصيره.

ثانية واحدة كانت كافية ليقرر شخص يعتبر نفسه ممثلاً عن الله، من يستحق الحياة ومن يستحق الموت. هذه الجريمة، التي يرتكبها قاتل باسم "الدولة" ويستبيح الحيوات باسم الإسلام، تتطلب أكثر من مجرد التنصل. يجب محاسبة كل من يستبيح دماء الناس ويجعل من نفسه قاضياً وجلاداً.

لم يكن مفاجئاً إعلان اللجنة المكلفة بالتحقيق في أحداث الساحل عن نتائجها في هذا التوقيت، حيث كانت السلطة بحاجة لإظهار أنها لن تتغاضى عن الجرائم بحق الدروز، كما فعلت بحق العلويين. لكن تقرير اللجنة، على ما يبدو، لم يستطع تجاوز سقف معين، واعتبر أن الجرائم كانت أفعالاً فردية وعمليات انتقام، وأن القيادات لم تأمر بها.

لا يهدف هذا المقال إلى جمع الأدلة لإدانة السلطة، ولكن العقل يدرك أن هذه الجرائم لم تكن لتحدث لولا وجود توجيهات أو غض طرف. البنية الأمنية والعسكرية المحكمة لا تسمح بمثل هذه التصرفات الفردية، مما يعزز فرضية علم القادة وقبولهم بما يحصل. أحداث السويداء تكررت فيها نفس السلوكيات، مما يؤكد أنها أصبحت نهجاً لترويع وإخضاع كل من يعارض سياسات السلطة.

هل هناك فرصة للتفكير في نتائج هذه الأفعال على وحدة المجتمع السوري؟ وهل هناك فسحة للمراجعة والتأمل إلى أين ستقودنا هذه السياسات؟ لسنا بحاجة إلى لجنة تحقيق جديدة، بل إلى لجنة تتحقق من إنسانيتنا. ليست وحدة الجغرافيا السورية فقط على المحك، بل أيضاً وحدة السوريين والرابطة الوطنية.

كلنا سنكون في خطر إن لم نخرج من متاهات الهويات الدينية والمذهبية ونضع أرجلنا على عتبة الهوية الوطنية السورية والحقوق المتساوية. الأوطان لا تبنى بالقهر والاستحواذ، بل بالشراكة والعدل. ثانية واحدة نحتاجها للعبور من التوحش إلى استعادة إنسانيتنا، وأن نؤمن أن الآخر بشر مثلنا، وأن له في الوطن ما لنا من الحقوق.

ثانية واحدة فقط سبقت اعتراف آخر درزي ربما بسوريته، ثانية واحدة فقط هي الفارق بين أن تكون بشرًا سويًا أو أن تكون قاتلًا وجبارًا شقيًا.

مشاركة المقال: