ينمو التوت البري، المعروف محلياً باسم "العليق" أو "الديس"، في مرتفعات الجبال، حاملاً في ثماره الصغيرة الحمراء والسوداء قيمة غذائية وطبية عالية. هذه الفاكهة، التي تمزج بين المذاق الحلو والحامض، تحولت من مجرد محصول موسمي إلى رمز للصحة والجمال.
"الديس" أو "العليق" هو شجيرة قصيرة ذات أغصان هوائية متسلقة، تتميز بأوراق مسننة وأشواك حادة، وأزهار بيضاء تتفتح في أواخر الربيع لتتحول إلى ثمار حمراء حلوة المذاق في الصيف. يستمر نضوج الثمار تدريجياً من حزيران حتى أوائل أيلول.
فوائده الطبية الشعبية
استخدم التوت البري (العليق أو الديس) في الطب البديل لأكثر من ثلاثة آلاف عام، لعلاج الجروح والالتهابات والتقرحات الجلدية. يعتبر علاجاً فعالاً للإسهال الشديد والغثيان والقيء، ويخفف من التشنجات المعوية وآلام الطمث. كما يساعد على تسكين آلام المخاض عند شرب نقيع أوراقه بانتظام قبل ستة أسابيع من الولادة.
بالإضافة إلى استخدام ثماره وأوراقه وجذوره في التداوي الشعبي، يمكن تقطير الديس أو تخميره للحصول على خل العليق، الذي يوصي به الأطباء الشعبيون لعلاج الرمل والحصى البولية وآلام المثانة والبواسير والتهاب البلعوم والطرق التنفسية، وتهدئة السعال عند الغرغرة به عدة مرات يومياً. ثمار العليق مفيدة لعلاج عسر الهضم وتنظيف الجسم من السموم والفضلات، وشرابه يعتبر من أفضل الأدوية المستخدمة لعلاج التهاب اللثة وقلاع الفم والتخفيف من آلامه. نقيع الأوراق يعالج حالات الروماتيزم وآلام المفاصل المزمنة، وله تأثير ملطف على العينين عند استخدامه كغسول صباحي.
الاستخدامات الغذائية
تؤكل ثمار الديس طازجة أو تستخدم في صناعة المربيات والعصائر، وتسوق في علب صغيرة للمطاعم السياحية. تستخدم أوراق الديس في عمل شاي منعش، ويعتقد البعض أنه يساعد في تنشيط الذاكرة وتعزيز التفكير المنطقي.
الفوائد المثبتة بالدراسات الحديثة
تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن ثمار العليق الأسود مفيدة في علاج مرض مريء باريت، الناتج عن ارتجاع أحماض المعدة، والاستخدام المنتظم لمدة 6 أشهر قد يقي من سرطان المريء عبر حماية الحمض النووي من التلف.
تؤكد الدراسات أن للتوت البري فوائد واسعة النطاق، من أبرزها: الوقاية من التهابات المسالك البولية بفضل مركبات "البراونثوسيانيدينز" التي تمنع التصاق البكتيريا بجدران الجهاز البولي، المساعدة في محاربة السرطان عبر تعطيل نشاط الجذور الحرة ودعم المناعة، خاصة ضد سرطانات الثدي وعنق الرحم والمريء، تحسين صحة القلب والأوعية الدموية من خلال رفع مستوى الكوليسترول الجيد (HDL)، دعم صحة الجلد، والتقليل من الالتهابات، وعلاج بعض الحالات الجلدية مثل الصدفية، المساهمة في علاج فقر الدم وتنظيم الدورة الشهرية عند استخدام الجذور والأوراق.
مكونات غذائية فريدة
أوضحت أخصائية التغذية سارة حسن أن التوت البري يتميز بتركيبة غذائية غنية، تضم عناصر معدنية مهمة كالكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، البوتاسيوم، ألياف غذائية وبكتين تساهم في تحسين الهضم وصحة الأمعاء، غني بمضادات الأكسدة، والفيتامينات، خاصة فيتامين "ج"، إضافة إلى مركبات الفينول والأنثوسيانين التي تعزز صحة القلب وتدعم الجهاز المناعي.
وأضافت سارة في تصريحها لـ "الحرية" أن الدراسات أثبتت دور التوت البري في الوقاية من التهابات المسالك البولية، المساعدة في خفض الكوليسترول الضار، والوقاية من بعض أنواع السرطان، إلى جانب دوره في تحسين صحة الجلد.
محاذير الاستخدام
رغم فوائده، تحذر حسن من الإفراط في تناول التوت البري، خاصة مرضى حصى الكلى، نظرًا لاحتوائه على الأكسالات، و لمرضى السكري، إذا كانت المنتجات محلاة بالسكر المضاف، و الحوامل، في حال استخدام المكملات أو الكميات الكبيرة.
آراء
التقت "الحرية" ببعض ممن يشترون التوت البري، وقد بينت لنا المدرسة فاتن أنها تحرص على تقديم عصير التوت البري لأطفالها، خاصة في الصيف، لأنه منعش ومفيد، أما أم أحمد ربة منزل، فترى أن نكهته المميزة تضيف لمسة خاصة للحلويات والمخبوزات، ويكفي أن لونه وحده يفتح الشهية، وذكر السبعيني أبو إبراهيم أن الغصن الغضيض منه يؤكل، خاصة في بعض المناطق الريفية حيث يستخدم كخضار بري، مضيفاً إن الفلاح يعتمده بالتخوم أي يزرعه أو يتركه ينمو على حدود الحقول، لأنه شجيرة شوكية تحمي الأرض من دخول المواشي أو الناس، وقد ذكر بالمثل الشعبي حسب قول العم أبي ابراهيم "علق بديسة" التي تقال للشخص الذي يدخل في مشكلة معقدة أو خصومة متشابكة، إذ إن الديسة شجيرة كثيرة الأشواك، مَن يدخلها يعلق بثيابه وجسده في أكثر من موضع، وهناك أغنية شعبية "لبست حب الديس وشلحت حب الديس ونيال المالها عريس" من الفلكلور، وتقال أحياناً على سبيل المزاح أو الغناء في الأعراس أو جلسات السمر، وقد يكون لها معنى رمزي مرتبط بالحب والزواج.
من الطبيعة إلى المستهلك
التوت البري ليس مجرد ثمرة، بل هو قصة تمتد منذ ثلاثة آلاف عام، وبين فوائده ونصائح سارة، وحب المستهلكين، يبدو أن هذه الثمرة ستبقى حاضرة بقوة على موائدنا، رمزاً للصحة والطبيعة.
اخبار سورية الوطن2_وكالات _الحرية