ترى نسرين جهاد حسن أن ملايين السوريين يعلقون آمالاً كبيرة على العهد الجديد، عهد ما بعد الأسد، معتبرين إياه "دولة المظلومين" التي ستعيد الحقوق وتجبر الضرر وتنصف المظلومين. وقد تكللت هذه الآمال بدموع غزيرة في صباح الثامن من كانون الأول، دموع أمهات فقدن أبنائهن في المعتقلات، وأطفال عانوا في المخيمات ودفنت طفولتهم تحت الثلوج.
إلا أن السلطة الجديدة في دمشق قد لا تدرك أن المظالم لا تقتصر على من ثاروا ضد الأسد، بل تمتد لتشمل كل بيت وعائلة في هذا الوطن المستنزف. ففي صباح الثامن من كانون، تنفس الشعب السوري الصعداء وأطلق العنان لأحلامه لأول مرة منذ نصف قرن، دون خوف أو قيود أو مستقبل مجهول محكوم بالهجرة أو الموت.
لكن سرعان ما بدأت تظهر شعارات تنسب العهد الجديد لطائفة أو فئة معينة، مما أدى إلى تحطم آمال الكثيرين الذين شعروا بأن هذا العهد ليس لهم. وحتى لو لم تكن الدولة هي من أرسلت هذه الرسائل بشكل مباشر، إلا أنها فشلت في إيقافها وفي تقديم نفسها كمشروع وطني جامع.
لا يتعلق الأمر بالتشكيك في النوايا، بل بانتقاد الأدوات والتبسيط الذي تتعامل به الحكومة الحالية مع خصوصية المجتمعات واحتياجاتها وتطلعاتها، وغياب خطة لتحليل السياق السوري المتنوع. ففي تجربة رواندا ما بعد الحرب، تم تأسيس وزارة للمصالحة أطلقت مشروعاً وطنياً لتحليل المجتمع قبل البدء بأي سياسة.
تواجه الحكومة السورية اليوم استحقاقات كبرى إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية، لا يمكن المضي فيها قدماً دون فهم توجهات المجتمع المختلفة والانزياحات التي أصابته خلال الأربعة عشر عاماً الماضية. لا يجوز الاستمرار في التعامل بسطحية مع المجتمع السوري، فهو ليس مجرد طوائف دينية أو أبناء الثورة و"الفلول"، بل مجتمع غني يستحق دراسة معمقة تكون أساساً لأي استراتيجيات وطنية.
يجب أن تدرك الحكومة الحالية أن حملها ثقيل وأمانتها صعبة، فهي حرفياً دولة المظلومين والمقهورين والملايين الذين نسيهم العالم، من أبناء الثورة وغيرهم، والذين يستحقون وطناً يليق بمعاناتهم وأحلامهم. (أخبار سوريا الوطن2-الكاتبة)