الأحد, 24 أغسطس 2025 07:23 AM

الشرعية الشعبية: صوت الوجدان هو المعيار الحقيقي

الشرعية الشعبية: صوت الوجدان هو المعيار الحقيقي

الشرعية، كما يوضح د. سلمان ريا، ليست مجرد توقيع أو ختم رسمي أو اعتراف خارجي. إنها الرابط العميق بين الحاكم والمحكوم، وبين الفاعل السياسي والجمهور الذي منحه الثقة. الشرعية ليست سلعة تُباع وتشترى، بل هي لحظة تجلٍّ بين الشعب وصوته، وبين الجماعة وصورتها الذاتية، وبين الإنسان وحقه في تقرير مصيره.

أي محاولة لفصل الشرعية عن الشارع تمثل اغترابًا عن جوهر السياسة. السياسي الذي يسعى للشرعية في العواصم البعيدة أو عبر المساومات، كمن يبحث عن الروح في جسد بلا حياة. فالشعب هو مصدر الشرعية، وصوته هو الذي يضفي المعنى على الحاضر ويحدد مسار المستقبل.

لقد عانت البلاد من كثرة المتحدثين باسمها والمدعين تمثيلها. البعض استغل الجماعة لتحقيق مصالحه الشخصية، والبعض الآخر استخدمها كواجهة للتواصل مع الخارج، متوهمًا أن الشرعية يمكن استيرادها كالبضائع. لكن وعي الشعب أعمق من أن يُخدع وأصدق من أن يُستبدل. الشارع، رغم كل الصعاب، يظل يقظًا ويرفض الاختزال في صورة زائفة أو البيع في مزاد الطامعين.

السياسة ليست مجرد إدارة للصراع، بل هي إدارة للمعنى. عندما ينفصل السياسي عن وجدان الشعب، يفقد السياسة بعدها الوجودي وتتحول إلى مجرد لعبة سلطوية فارغة. ولكن عندما ينسجم الفعل السياسي مع طموحات الشعب، يتحول إلى فعل وجداني جماعي، إلى لحظة مصالحة بين الإنسان وواقعه وبين الشعب وصورته عن نفسه.

الشعب لا يحلم بالمعجزات، بل بالعدالة البسيطة والكرامة اليومية والحق في العيش بأمان. من يستهين بهذه الأحلام يستهين بجوهر الإنسانية. السياسي الحقيقي ليس من يستغل ضعف اللحظة، بل من يثق بقوة الوجدان المتجذر وذاكرة الشعب وقدرته على النهوض. الشرعية، في جوهرها، ليست مجرد علاقة سياسية، بل علاقة وجودية: علاقة الكائن بوجوده والجماعة بذاتها والوطن بمعناه.

عندما يدرك السياسي هذه الحقيقة، يتحرر من وهم السلطة كملكية خاصة ويرى أنها عهد ومسؤولية. عندها فقط يصبح العمل السياسي امتدادًا لوجدان الشعب لا انفصالًا عنه، وتتحول السياسة إلى فضاء لإعادة تعريف الحرية والكرامة، لا إلى سوق لتصريف الولاءات.

يبقى الشارع هو الأصل والحارس الأخير للمعنى. وكل ما عداه من تمثيل زائف أو سلطة مقطوعة الجذور مصيره الزوال. وحده الشعب، بحلمه وصبره، يكتب النص الباقي للتاريخ ويصنع وطنه الذي يليق به، وطنًا لا يُشترى ولا يُفرض، بل يُحفظ ويُستحق بكل معنى الكرامة والحرية.

(موقع أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: