الأربعاء, 27 أغسطس 2025 01:37 PM

مفاوضات سورية-سورية: هل تقود المحادثات بين دمشق و"قسد" إلى حلول وسطى؟

مفاوضات سورية-سورية: هل تقود المحادثات بين دمشق و"قسد" إلى حلول وسطى؟

على الرغم من التوترات الأخيرة في الساحة السورية بشأن العلاقة بين دمشق وكل من شمال شرق وجنوب البلاد، تشير اللقاءات والتصريحات الأخيرة إلى تقدم في المفاوضات، كحل لتجنب المزيد من عدم الاستقرار.

لقاء أميركي-كردي في عمّان:

نجحت جهود أمريكية-فرنسية في تحقيق اختراق في المفاوضات بين "قسد" ودمشق، بعد إعلان الأخيرة انسحابها من مباحثات باريس. وفي ظل الحرب الإعلامية المتبادلة، استضافت عمّان لقاءً بين قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي، والمسؤولة عن العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد، والسيناتور الأميركية جين شاهين، بحضور المبعوث الأميركي إلى تركيا توم براك.

وصفت مصادر مقربة من الإدارة الذاتية اللقاء بـ "الإيجابي"، مشيرة إلى أن شاهين "جددت التأكيد على دعم واشنطن لقسد مثمنة شراكتها في مكافحة الإرهاب". وأكدت المصادر أن "نتائج اللقاء ستنعكس إيجاباً على مسار المفاوضات بين دمشق وقسد"، مع الامتناع عن الخوض في التفاصيل.

وتطرح "قسد"، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، اللامركزية السياسية كشرط للاندماج في الدولة السورية الجديدة، متهمة "هيئة تحرير الشام" بالاستحواذ عليها، ومحذرة من أن "التخلي عن السلاح دون ضمانات بالإدارة الذاتية سيعرض مكونات شمال وشرق سوريا، وعلى رأسها الأكراد، لأعمال انتقامية".

ويرى داعمو الإدارة الذاتية أن خطوات الحكومة السورية، بدءاً من الإعلان الدستوري وصولاً إلى ترتيبات "انتخابات مجلس الشعب"، ترسخ مشروع الحكم المركزي ذي المرجعية الإسلامية، بينما يطرحون مشروعهم اللامركزي التعددي.

في المقابل، تعتبر دمشق هذا الطرح تهديداً لوحدة الدولة ومقدمة لـ "دولة داخل الدولة". وتتراوح العلاقة بين الطرفين بين محاولات دمج متعثرة، وضغوط متبادلة، وتدافع إقليمي ودولي يعيد صياغة ميزان القوى داخل سوريا.

لعبت واشنطن دور الوسيط والضامن اللوجستي، انطلاقاً من رؤيتها للشرق الأوسط الجديد في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب وبعد هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتخفيف الضغط التركي على الأكراد. ورغم الضغوط التي مارستها على الطرفين والتي أفضت إلى اتفاق 10 آذار/مارس، إلا أن التناقضات البنيوية سرعان ما طفت على السطح.

رسائل إيجابية:

دفع تبدل في اللغة الأميركية حيال دمشق الأخيرة إلى اعتماد خطاب أكثر مرونة تجاه شمال وشرق البلاد وجنوبها، بالتزامن مع رسائل إيجابية صدرت باتجاه لبنان و"حزب الله" أيضاً. وقبل أيام، أشار براك إلى إمكانية توليد حلول "ما دون الفدرالية" في سوريا، في إقرار بفشل الرؤية القائمة على مركزية الدولة. وصرح الرئيس السوري أحمد الشرع بإمكانية "مناقشة كل الحلول مع الأكراد والسويداء عدا الانفصال".

ويرى مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل أن "تصريح الشرع هذا يشير إلى جوهر اتفاق 10 آذار/مارس، ويُبنى عليه للوصول إلى حلّ نهائي يحفظ أمن واستقرار البلاد، للمضي قدماً في تطوير العملية السياسية والواقع الاقتصادي المأزوم".

ويقول خليل: "مطلب الإدارة الذاتية لم يكن يوماً الانفصال. الكلام عن الانفصال والتقسيم يذكرنا بالتهم التي كانت توجه للأكراد في زمن البعث، والتي كانت تنص، إلى جانب وهن عزيمة الأمة، على العمل لاقتطاع جزء من البلاد وإلحاقه بدولة أخرى، دون أن نعلم من هي هذه الدولة".

ويضيف: "المطلوب اليوم لامركزية سياسية تحوّل التنوّع الديني والقومي والثقافي في المجتمع إلى نقطة قوة ورافعة لبناء سوريا المستقبل كما يحلم بها الجميع، وليس سوريا المفصّلة على قياس أو رغبة شريحة ضيقة".

بين المركزية واللامركزية:

تتعقد علاقة دمشق والإدارة الذاتية أكثر بفعل الدور التركي. فالتفاهم على التعاون العسكري بين دمشق وأنقرة في آب/أغسطس الجاري، وإن سوّق له بعبارات مكافحة الإرهاب، إلا أن الرسائل الإعلامية المرافقة لم تخلُ من الإشارة إلى استهدافه للإدارة الذاتية ومشروعها السياسي كورقة ضغط على "قسد" في موقفها التفاوضي مع دمشق.

كذلك، جاء اللقاء الروسي-السوري كمحاولة أخرى من قبل الحكومة السورية لتعزيز أوراق تفاوضها، من خلال الحصول على دعم موسكو التي ترى في أي تقارب بين "قسد" ودمشق وسيلة لتقليص نفوذ واشنطن من دون كلفة عسكرية، وتبارك عملياً ترتيبات تعيد الموارد الشرقية إلى الخزينة المركزية وتؤمّن استقرار الساحل حيث مصالحها الحيوية.

في ضوء ذلك، تبدو معادلة دمشق–الإدارة الذاتية محكومة بثلاثة محددات: أولاً، الاختلاف البنيوي بين المشروع المركزي لدمشق ومشروع اللامركزية للإدارة الذاتية. ثانياً، ثقل العوامل الإقليمية، وخصوصاً تركيا، التي تسعى إلى التفرد بالساحة السورية كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية فاعلة، مع محاولات إقصاء دور فاعلين آخرين مثل فرنسا وإسرائيل وتقليل تأثيرهم ونفوذهم، حتى وإن تطلّب الأمر إعادة تفعيل الدور الروسي في الملف السوري. ثالثاً، الضغوط الدولية المتضاربة التي تعد تارة برفع العقوبات عن دمشق في حال استطاعت ضمان حماية الأقليات، وتلوّح طوراً بضرورات "الاستقرار" ولو على حساب الإصلاح السياسي.

يبقى المشهد السوري محكوماً بتوازنات دقيقة بين مشروع دمشق المركزي ومشروع الإدارة الذاتية اللامركزي، في ظل ضغوط إقليمية ودولية متباينة. ورغم التقدّم الجزئي في مسار المفاوضات، فإن القدرة على الوصول إلى صيغة توافقية مستقرة تتطلّب تضافر جهود جميع الأطراف، التي لا تزال تثقل خطواتها بحسابات تتجاوز الداخل السوري.

مشاركة المقال: