يرى الشاعر عمار المسعودي علاقة وثيقة تربط بين شغف الشعر، واحتراق الروح، والقلق الوجودي، وذلك في معرض تأمله العميق في أدواته الشعرية. يعتبر المسعودي الفكر وسيطاً مهماً بين الشعر واللغة، وقد أظهر براعة في التشكيل اللغوي البصري، وفي تكثيف الصور الدلالية ضمن فضاء سردي يمتزج برؤية شعورية، مما يمنح النص اتساعاً مستمراً، ويوفر للقارئ مساحة للتأمل في النص المفتوح الذي يوحي بقراءة لا تنتهي.
صحيفة الحرية التقت الشاعر العراقي د. عمار المسعودي في حوار تناول قضايا الشعر والإبداع، وإليكم أبرز ما جاء فيه:
متى يمكن للشاعر أن يكشف آليات الخطاب الشعري ومدى انفتاحه على تجليات اللحظة الإبداعية؟
يجيب المسعودي بأن آليات إنتاج الشعرية هي الشأن الشعري الأكثر غموضاً وخفاءً. ويرى أن الكشف عن كيفية حصول هذه العلاقات، التي تشكل شبكة انسجام لغوي، يحصل نتيجة هضم عشرات الخطابات المذابة التي تخصب بعضها وصولاً إلى لحظة كشف لم يكن للمدوِّن أن يرسم لها لوحاتها ولا ألوانها. ويضيف أن الخطاب الشعري منتج غائب يظهر وقت أن يظهره كاتبه مادة خاماً تتسم بالفطرة والعفوية، ويقف بالضد من الخطابات الأخرى لكونه يشظي المعاني جراء زحزحة اللغة عن أمكنتها ومواضعها، سواء أكان الأمر حاصلاً جراء الاستبدالات العمودية لبعض من المجاز العمودية أو بالمجازات الأفقية، ممثلة بأساليب علم الجملة خبراً وإنشاء، مضافاً إلى كل ذلك اختيار الفضاءات وزوايا النظر. ويختتم بأن الشعرية مفهوم بالضياع لا وجودَ في الوجود.
قصائدك ترجمة للواقع بأسلوب يجمع بين الفلسفة والدهشة، ماذا تقول في ذلك؟
يؤكد المسعودي أن أي تدوينات لا تخلو من وجود الواقع، وأن الاختلاف يكمن في نوع المدونة وقوة التخييل، وهي تدير عملية الإبداع، تلك العملية الفاصلة بين الحاصل الثابت بعناصره وثبات دلالاته اللغوية. ويرى أنه إذا كان الشعري يعيد المعنى نفسه مرسومات متطابقة معجمياً، فإنه يكون مجرد واصف مطابق غير منشغل بتهشيم العالم ثم يقوم بإتمام ترتيبه وفقاً للرؤية الإبداعية؛ ليكون الشعر فناً جميلاً مسانداً ومساعداً على تقديم الكون بطريقة جديدة، فاتحاً النوافذ لا مكرراً الأسيجة، فاتحاً موسعاً على الإدراك مسارات الأمل، مخلفاً الدهشة المتحققة من الجدة التي في المشهديات المبتدعة.
الكثير من الأدباء يعبّرون عن آرائهم من خلف ستار شخصياتهم، هل عمار المسعودي موجود في كتاباته كشاهد لكل عصر؟
يجيب المسعودي بأنه يؤمن بموت الشاعر؛ فالحضور يعني المعاني الثابتة المكررة مثل طريق المدرسة. ويرى أنه بغياب الشاعر أو موته تحضر اللغة متحدّة مع جدية المخيلة في التحاف واتحاد، وهما يقدمان العالم بطريقة لا يمكن أن يستدل منهما على المدون، لكون حضوره يعني أن هناك قصدية أو غرضية تبعد الفعل الشعري عن الوصول إلى توهجه، سياحة عامة تسعى لجمع الشظايا وبث الفوضى لا ترتيب الأحجار، حدّاً صلباً يمنع العين عن النظر. لأن للمعنى والغرض جهة واحدة تمنع ثلاث جهات من الوجود، ما يحرمنا أو يسلبنا حرية التواجد الحر، سياحة بين كل هذه الجهات. وقد يظهر الشاعر وفقاً لفضائه الشعري أو من مناطق اشتغاله، توهجه وانطفائه، قربه وبعده.
ما زالت هناك جدلية حول قصيدة النثر، وأنت تكتب قصيدة النثر، برأيك ما الذي يميزها عن بقية الأنماط الشعرية؟
يرى المسعودي أن الشعرية لا تخضع للتجنيس، وأن الشكل إلّا ضرورة تخضع لزمان ومكان وفقاً لحاجات لا مجال ولا محل لها هنا للخوض تفصيلاً عنها. ويؤكد أن الشكل ليس إيديولوجياً، لذا لا يمكن أن نعد الكتابة الواقعة خارج اشتراطات فنية معينة إشكالية. ويضيف أنه عاش وجوده تحت مظلة قصيدة النثر كاتباً قارئاً، وهذا لا يعني أنه واقف شكلانياً تحت تنظيراتها، مدافعاً منافحاً الأشكال الفنية التي كتبنا عنها وحفظنا وتمثلنا وترنمنا. ويرى أن الشعريات لا تخضع للقوالب، إنها وجود وحده، تجده في غيمة مشاكسة للريح، في تشكيل أو في فوتوغراف أو في سينما أو في موقف أو في رفيف أو في برق يزيل الظلمة عن عينيك. ويختتم بأن قصيدة النثر شكل شعري وجد فيه ما يلبي وجدانه في الضياع لا في الوجود، في المحو لا في التدوين، وأنها تحتاج لغرفة سيطرة تشرف على تفتيت الثوابت ثم إعادة تشكيلها، هي غرفة إدارة تقاطع مختلف الخطابات وصولاً لتشكيلة تؤدي بك للغياب ولاتؤدي بك إلى الحضور.
هل ترى أن ثقافة الشاعر تخدمه شعرياً أو شعره يخدمه ثقافياً ؟
يجيب المسعودي بأن الشعر هو الفطرة والقدرة على إعادة الطفولة للأشياء ؛ ما يجعل الشاعر هو الحادس المنتظر لا المبين المتيقن . ويرى أن الثقافة هي سعة الخزين الذي يمتح الشاعر منه صوراً ورؤى وتمثلاث ومقاربات . ويؤكد أن الشعر لا يأتي من الفراغ بل الشعر بعد كل المعرفة عليه أن يذهب إليه وأعني الفراغ ؛ فالامتلاء يقف ضداً من سببية اختراع الشعر فناً جميلاً يقدم هذا العالم بطريقة فتح النوافذ وصناعة التشكيلات المدهشة . ويضيف أن الخطابات التي لابدّ من مقاطعتها داخل النص الواحد تحتاج معارف وأحداساً وهذه كلها توجد بيانات وعرفانات لابدّ للعقل الشعري من استيعابها.
”مايتعطل من أسئلة” إحدى مجموعاتك الشعرية ماذا تتضمن المجموعة وهل برأيك العنوان يحقق الشهرة للشاعر؟
يرى المسعودي أن كل الشعريات تبحث في المقولات المقموعة في ظل أنظمة استبدادية تمنع الأسئلة وهي تخلق وجوداً مضاداً لأجوبتها الثابتة . ويؤكد أن العنوانات هي العتبات القرائية الأولى ؛ لذا لابدّ من أن تتحقق الدهشة والصدمة من معاينة العنوان ؛ فالكتب الشعرية التي تجيد صدمة العنوان ؛ سيكون من الحتمي من أنها قادرة على تقديم مدونات شعرية تحقق غرضها الجمالي بكامل الأناقة.
كيف تجد الواقع الثقافي في ظل الحروب بالعالم العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص؟
يجيب المسعودي بأن كل المغامرات الإبداعية كتبت في أجواء الصراعات والحروب كون الفنون تقف معادلاً مدنياً ضد استبداد الحروب وعبثيتها فالحروب تشوِّه والكتابة تزين. ويرى أن المدونة الشعرية العراقية ماعدا قصائد التعبئة الحربية أُنتجتْ بردة فعل لهذا التشوية، وأن قصيدة النثر العراقية ازدهرت رداً واعياً ضد الخراب والعبث التي انتجتهما عقلية الحرب التي لا روح لها ولا فلسفة وجود إنسانية.
من خلال تجربتك في مجال النقد ومن خلال مانشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي من نقد لبعض النصوص الشعرية هل هذا هو النقد الحقيقي الذي يخدم النص الشعري ؟
يقول المسعودي إن (الميديا) هي الأداة المركزية في التواصل وهي وسيلة جماهيرية شعبوية مع وجود أرباب الإبداع الحقيقي من هنا يكون الجواب: مثلما نجد كتابات لا قيمة إبداعية لها سنجد حتماً كتابات نقدية قد لا ترقى لمشروطيات المدونة النقدية لذا سيكون الأمر متروكاً للقارى النوعي الذي يميز بين الجيد والرديء. وعن اشتغالاته النقدية يقول: أنجزت كتابين نقديين عن المدونة الشعرية العمودية فضلاً عن عشرات المقالات الشعرية والسردية في المشهد الإبداعي العراقي والعربي.
كيف تتجلى صورة المرأة في قصائدك ؟
يرى المسعودي أن المرأة عنصر رئيس من عناصر الكتابة لكونها تناصفنا الوجود لكني لم أوظفها كما هي في الواقع بل أقوم بتشظيتها، ابثها، أناجيها : أقول: الصمتُ أنوثة، الكلام أنوثة وأنا ما بينهما أقول لامرأتي : هذا المخدع أغواني ؛ فتنفرش عن يميني وعن شمالي.
ماالقصيدة التي تسكن ذاكرتك؟
( مناجاة) ربِّ إنها غاباتك فلا تجعلني صابئاً عن خضرتها أكثر مما أنا صابٍ . ربِّ أنا أقرب إليك في هذه الغابات. ربِّ لا تسمِّ هذه الأنهار، هذه الأشجار، هذا الهدير؛ فإن سميتَ كل ذلك؛ أنسيتني اسمي فوق ما أنا ناسٍ. ربِّ امنحني من خضرتك قلماً ودواة لأسجل فوق صحراء روحي غابات لا تمحى.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية