أحمد الحسني - تحاول السعودية إظهار موقف محايد، على الأقل علنًا، في الصراع بين اليمن من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. لكن هذا الموقف، الذي بدا محايدًا في الأشهر الأولى من الهجمات اليمنية على إسرائيل في البحر الأحمر، بدأ يتغير تدريجيًا ليصبح أقرب إلى دعم واشنطن وتل أبيب، اقتصاديًا على الأقل.
تعتبر الرياض أن معركة «طوفان الأقصى» لم تعطل فقط ترتيبات السلام مع صنعاء، بل ومع تل أبيب أيضًا. فقبل «الطوفان» بأشهر قليلة، كانت السعودية قد مهدت الطريق نحو علاقات سلام إقليمية تشمل اليمن والعراق وإسرائيل، كجزء من ترتيبات إنجاح «رؤية 2030»، بما في ذلك المشاريع الضخمة في أكثر من 22 جزيرة في البحر الأحمر، والتي تتطلب مناخًا آمنًا يشمل جميع هذه الدول لتحقيق النجاح.
لكن الرياض لم تتمكن من فصل ملف المواجهة بين إسرائيل واليمن عن ملف المواجهة بينها وبين صنعاء بشكل كامل، خاصة وأن موقف صنعاء الداعم لفلسطين أربك حسابات الرياض، وإن كان يعتبر الأهم بالنسبة إليها.
ورغم مرور عامين تقريبًا على المواجهة، ظل الموقف السعودي ثابتًا نسبيًا؛ فلم تتقدم المملكة نحو السلام مع اليمن، على الرغم من تأكيد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، على أن «خارطة الطريق» جاهزة ولا ينقصها سوى التوقيع. ومن بين أبرز العوائق التي حالت دون تغيير الموقف السعودي هو الفيتو الأميركي – الإسرائيلي، حيث رفضت الولايات المتحدة ورقة السلام حتى قبل «طوفان الأقصى»، معتبرة أنها لا تضمن مصالحها. أما إسرائيل، فلم تكتف برفض عملية السلام، بل تضغط على الرياض للانخراط في المواجهة العسكرية ضد اليمن.
ترى الرياض في هذا الصراع فرصة للتنصل من الالتزامات التي فرضتها صنعاء في ورقة التفاوض، والتي تتضمن ترتيبات خاصة بحلفاء الرياض في اليمن، بالإضافة إلى بنود تتعلق بدفع التعويضات ورفع الحصار. ويبدو أن المملكة وجدت من يقاتل بالنيابة عنها في اليمن، معتقدة أنه إذا تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من إضعاف «أنصار الله» أو هزيمتها، فسيكون ذلك في صالح السعودية، وإذا لم يتحقق ذلك، فستبقى ورقة السلام في يدها.
على الرغم من أن الموقف السعودي يبدو متوازنًا بالنسبة للأميركي والإسرائيلي، إلا أن «أنصار الله» ترى أن الخطوات السعودية المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية في عدن، والتي تضمنت سحب البنوك من صنعاء، تندرج ضمن الإملاءات الإسرائيلية – الأميركية. وهذا يجعل الرياض شريكًا فاعلًا إلى جانب واشنطن وتل أبيب في السياسات التي تهدف إلى تشديد الحصار الاقتصادي على صنعاء، وهو ما قد يؤدي إلى رد فعل عسكري ضد السعودية، وفقًا لتهديدات قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي.
في حين يبدو أن السعودية تصعد إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد «أنصار الله» في بعض الملفات، فإنها تتراخى في ملفات أخرى لصالح صنعاء. ومن بين المسائل التي تجاوبت معها سريعًا، ما كشف عنه رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، من أن الرياض سمحت بنقل الطائرات اليمنية من صنعاء قبل أن تدمر إسرائيل المطار. وفي المقابل، وجهت السعودية بالإفراج عن الشيخ محمد الزايدي، الموالي لـ«أنصار الله»، الذي اعتقل في المهرة. كذلك، رفضت ورقة تكتل الأحزاب اليمنية والتي تتضمن برامج تصعيدية ضد الحركة.
هكذا يبدو الموقف السعودي ما بعد «طوفان الأقصى»؛ إذ تتحاشى الرياض المواجهة العسكرية مع صنعاء خوفًا من ثمنها، لكنها أيضًا لا تجرؤ على تجاوز الفيتو الأميركي – الإسرائيلي والذهاب إلى عملية السلام. والسؤال هو: هل ستقْدم «أنصار الله» فعلاً على إنهاء المراوحة السعودية؟
أخبار سوريا الوطن-الأخبار