الإثنين, 1 سبتمبر 2025 02:22 PM

سوريا: جهود مكافحة التسول تتصاعد في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة

سوريا: جهود مكافحة التسول تتصاعد في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة

عنب بلدي – رغد عثمان – في أحد شوارع دمشق، تجلس الطفلة سمر إبراهيم، التي لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، تبيع البسكويت للمارة بصوت خافت. سمر، التلميذة في المرحلة الابتدائية، تروي لعنب بلدي كيف تقضي عطلتها الصيفية في العمل لإعالة أسرتها بعد وفاة والدها وترك والدتها لها ولأخواتها في منزل جدهم في حي “نهر عيشة” الشعبي، مؤكدة أن ما يصلهم من الجمعيات الخيرية غير كافٍ.

سمر ليست الوحيدة، فالعديد من الأطفال يجبرون على العمل بسبب الظروف المعيشية الصعبة، بينما يستغل آخرون من قبل عصابات متخصصة.

بين الحاجة والاستغلال المنظم

تتنوع أسباب التسول، فمنهم من يعانون من البطالة أو الإعاقة، ومنهم من يمتهنون التسول ضمن مجموعات تديرها عصابات. سامر الحلبي، من سكان منطقة البرامكة، يوضح لعنب بلدي أن سكان المنطقة يدركون حقيقة المتسولين، ففي البداية يبدو المشهد إنسانيًا، لكن مع التكرار يتضح أن عصابات منظمة توزعهم عند إشارات المرور وتراقبهم لجمع ما يجنونه.

يشير سامر إلى أنه شاهد رجلًا يراقب مجموعة من الأطفال الذين يسلمونه ما جمعوه من المال، مؤكدًا أن ما يظنه البعض عطفًا هو وقود لاستمرار هذه التجارة السوداء. ظاهرة التسول في سوريا معقدة، تتراوح بين الحاجة الحقيقية والاستغلال.

القانون السوري يفرض عقوبات على التسول، ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين البعد الإنساني والالتزام القانوني.

الدوافع والأسباب النفسية والاجتماعية

توضح الدكتورة يسار دروبي، المتخصصة في علم النفس التربوي، أن الأسباب النفسية للتسول تشمل الشعور بالعجز وفقدان الثقة بالقدرة على العمل، والاعتياد على الحصول على المال بسهولة، ما يرسخ حالة من الاتكالية. وترى أن البعض يشعر بالراحة في لعب دور الضحية لاستدرار التعاطف.

الظروف الاجتماعية مثل التفكك الأسري والإهمال في الطفولة تزيد من احتمالية الانخراط في التسول. كما أن بعض المعتقدات الثقافية والتسامح مع هذه الممارسة يغذيان هذا الفعل، وغياب التعليم يدفع البعض إلى طرق غير صحية لكسب العيش.

انعكاسات سلبية على المجتمع

يترك التسول آثارًا سلبية على صورة المجتمع، إذ يوحي بانتشار الفقر والعجز عن حماية الفئات الهشة. وترى دروبي أن التسول يعزز مشاعر التوتر وعدم الأمان، وقد يتحول إلى مدخل لممارسات سلبية مثل التحرش الجنسي والسرقة، وتدمير النسيج الاجتماعي.

الدعم الاجتماعي كحل

ترى الاختصاصية النفسية آلاء رنكوسي أن التعاطف العشوائي مع المتسولين لا يحل المشكلة، مؤكدة أن المسؤولية مشتركة بين الدولة والجمعيات والأفراد. الدولة مطالبة بتوفير فرص عمل ودعم نفسي واجتماعي وحماية للأطفال، بينما على الجمعيات توفير برامج دعم اجتماعي وتعليم مهني، وإعادة توجيه المساعدات بطريقة منظمة. وينبغي للأفراد إدراك أن تقديم المال في الشارع ليس حلًا.

تضيف رنكوسي أن الحملات التوعوية مهمة، لكنها غير كافية دون بدائل ملموسة، فالتغيير النفسي يحتاج إلى استراتيجيات طويلة الأمد تقوم على إعادة التأهيل وبناء الثقة وزرع قيم العمل والكرامة.

التسول ليس مجرد طلب للمال، بل جرح نفسي واجتماعي يستدعي معالجة شاملة.

الإجراءات والجهود الحالية لمكافحة التسول

نفذت عدة محافظات سورية خططًا لمكافحة التسول، منها محافظة حلب التي أطلقت حملة بإشراف لجنة من المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. فتون خربوطلي، أحد أعضاء اللجنة، توضح أن الحملة تعمل على ثلاثة مسارات: قانوني وأمني وإنساني، يشمل مراجعة التشريعات ورصد المتسولين وتأسيس مراكز إيواء مؤقتة وتنفيذ برامج تعليمية ومهنية.

تم إنشاء مركز إيواء في حلب، وإعادة تفعيل مكتب مكافحة التسول في مديرية الشؤون الاجتماعية.

نشمي الأحمد، رئيس مكتب مكافحة التسول في حماة، يشير إلى أن المكتب يقوم بجولات لإحصاء المتسولين وتقسيمهم إلى فئتين: من يتسولون بسبب الحاجة، ومن يمتهنون التسول.

معالجة إنسانية ومجتمعية

جميلة أبو الخير، عضو المكتب التنفيذي للشؤون الاجتماعية في حمص، تؤكد أن مكافحة التسول أولوية، والعمل يتركز على تأهيل الأطفال والشباب في مراكز الإيواء، ودعم الأيتام والأرامل من خلال الجمعيات الخيرية.

الحملات الميدانية مستمرة بهدف محاربة هذه الظاهرة ومعالجتها ضمن إطار إنساني واجتماعي متكامل.

ملامح خطة مستقبلية

ليليان المغوس، المسؤولة عن ملف التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية، تكشف عن أن أعداد المتسولين كبيرة ولا توجد إحصائية كاملة، وأن الخطة الجديدة تتضمن التوسع في عدد المراكز وإعادة تأهيلها.

التحديات التي تواجه الوزارة تشمل الأطفال مكتومي القيد، ومحدودية الطاقة الاستيعابية للمراكز، وتسرب الأطفال من المدارس، وتورط بعض الأهالي في دفع الأطفال إلى التسول، ووجود شبكات منظمة.

تم تشكيل لجنة وطنية تضم ممثلين عن عدة وزارات، وهناك تنسيق فعال مع المحافظين ومنظمات المجتمع المدني.

التسول في القانون السوري

المحامية أميرة أفغاني توضح أن القانون السوري يعاقب على التسول، ويعرفه بأنه رفض للعمل واللجوء لاستجداء إحسان الغير. القانون يدعم مكافحة التسول من خلال إنشاء دور تشغيل ومكاتب لمتابعة حالات المتسولين.

العقوبات تتفاوت بين الحبس مع التشغيل والإيداع في دار للتشغيل، وتشتد في حال التسول المصحوب بالتهديد أو استخدام الأطفال أو التسول المنظم.

صعوبات تطبيق القانون

البعد الاجتماعي والفقر والبطالة وضعف شبكات الحماية الاجتماعية تجعل من التسول وسيلة للبقاء، ما يقلل من جدوى العقوبات وحدها. وتؤكد المحامية أميرة أفغاني ضعف دور المؤسسات البديلة، والتسول المنظم يصعب الملاحقة الفردية، وازدواجية النظرة تخلق فجوة بين النص القانوني والواقع الاجتماعي.

مشاركة المقال: