يتسبب تهريب المشتقات النفطية على نطاق واسع على ضفتي نهر الفرات، خاصة في المناطق الشرقية من محافظة دير الزور، في تلوث خطير لمياه النهر والتربة نتيجة لتسرب الوقود أثناء عمليات التهريب. تقوم مجموعات محلية بنقل هذه المواد بين مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ومناطق الحكومة السورية بهدف تحقيق أرباح من فروق الأسعار، وفقًا لمراسل عنب بلدي في دير الزور.
ترتبط مناطق "قسد" بمناطق الحكومة السورية عبر معابر نهرية، بالإضافة إلى العديد من المعابر "غير الشرعية" التي تستخدم بشكل أساسي في أنشطة التهريب المستمرة منذ سنوات. تعتبر هذه المعابر، سواء الرسمية أو غير الرسمية، شريانًا حيويًا لعمليات التهريب ومصدر رزق للكثيرين في المنطقة.
تأثيرات بيئية وصحية
أوضح محمد العثمان، أحد سكان بلدة جديد بكارة في دير الزور، أن تسرب الوقود من "الغالونات" غير المحكمة الإغلاق، والتي يتم ربطها لنقلها عبر النهر، يؤدي إلى انتشار المازوت في مياه النهر وحتى في المواد الغذائية المنقولة على القوارب. وأشار إلى أن محاولات تنقية المياه بالكلور أو مواد كيماوية أخرى غير مجدية بسبب حجم التلوث الكبير، مما تسبب في حالات تسمم، خاصة بين الأطفال والحيوانات.
أكد المهندس الزراعي وائل السيد أن المشتقات النفطية المنقولة عبر النهر تحتوي على مواد سامة تؤثر على مياه الشرب والتربة الزراعية، مما يضر بنمو النباتات ويقلل من الإنتاج الزراعي.
أشار عبد الرزاق الفتاح من بلدة ذيبان في ريف دير الزور إلى أن التلوث يهدد القطاع الزراعي بشكل مباشر، حيث يلاحظ بقعًا نفطية عند ري البساتين من مياه النهر، مما يؤثر سلبًا على التربة.
فرق الأسعار يدفع للتهريب
أفاد عاملون في تهريب النفط بدير الزور لعنب بلدي بأن الدافع الرئيسي لعمليات التهريب هو فرق الأسعار بين مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ومناطق سيطرة الحكومة. وأوضح أحد المهربين من ريف دير الزور أن سعر ليتر المازوت في مناطق "قسد" يبلغ 5500 ليرة سورية، بينما يتجاوز 6500 ليرة في مناطق الحكومة.
قدّر شاب آخر يعمل في تهريب الوقود حجم التهريب اليومي بمئات الآلاف من الليترات، مشيرًا إلى وجود شبكات تهريب تستخدم طرقًا سرية عبر الأنابيب الممتدة تحت النهر، بالإضافة إلى الصهاريج التي تسلك الطرق الوعرة.
إجراءات لمعالجة التلوث
أكد مصدر في المخبر المائي بدائرة مياه دير الزور (طلب عدم الكشف عن اسمه) على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة التلوث الحالي في نهر الفرات، بما في ذلك احتواء البقع النفطية باستخدام حواجز عائمة ومن ثم استخدام أجهزة "كاشطات الطفو" لجمع النفط من سطح الماء. وفي حالات التلوث الشديد، يمكن اللجوء إلى طرق مثل الحرق المُسيطر عليه أو استخدام مواد ماصة.
للتحقق من سلامة مياه الشرب، يتم إجراء تحاليل مخبرية باستخدام تقنيات متطورة مثل "الكروماتوغرافيا الغازية" (GC/MS)، وقياس الأكسجين الكيميائي والبيولوجي (COD وBOD)، بالإضافة إلى تحليل الهيدروكربونات البترولية الكلية (TPH).
جهود لمكافحة التهريب
أفاد مصدر في قوى الأمن الداخلي بدير الزور بأن قوى الأمن تقوم بدوريات يومية على النهر لملاحقة المهربين الذين ينقلون الوقود إلى مناطق سيطرة الحكومة. وأوضح المصدر (الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) أن الدوريات الأمنية كثفت مداهماتها على مواقع التهريب وصادرت كميات كبيرة من الوقود، وتم اعتقال عدد من المهربين.