شهدت الأراضي السورية تصعيدًا ملحوظًا في الاعتداءات الإسرائيلية فجر اليوم الإثنين، حيث نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في ريفي حمص واللاذقية.
تفاصيل الغارات:
تركزت الغارات الإسرائيلية على محيط منطقة الأوراس في ريف حمص، حيث سُمع دوي ثلاثة انفجارات متتالية، دون تحديد دقيق لطبيعة المواقع المستهدفة. بالتوازي، استهدفت الطائرات الإسرائيلية محيط قاعدة عسكرية في منطقة سقوبين باللاذقية، وذلك بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات الإسرائيلية في أجواء البحر المتوسط قبل تنفيذ الهجوم.
تصعيد بالتزامن مع تحركات سياسية:
يأتي هذا القصف في ظل تقارير عن لقاء مرتقب هذا الأسبوع بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الأمر الذي يثير تساؤلات حول أهداف هذا التصعيد العسكري في ظل وجود مؤشرات على قنوات اتصال بين الطرفين.
عمليات سابقة في الكسوة:
يُذكر أن هجمات مماثلة وقعت قبل أقل من أسبوعين في ريف دمشق الغربي، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية مواقع عسكرية في منطقة الكسوة، تبعها إنزال جوي بمشاركة أربع مروحيات عسكرية وعشرات الجنود. ووفقًا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، كان الجيش السوري يتعامل حينها مع أجهزة مراقبة وتنصت عُثر عليها في جبل المانع جنوب دمشق، قبل أن يتعرض لهجوم جوي أسفر عن مقتل ستة جنود وتدمير آليات عسكرية. وبعد نحو ساعة، جدد الطيران الإسرائيلي هجماته على الموقع ذاته، ليتبعه إنزال جوي لم تتضح أهدافه بعد.
الموقف الرسمي السوري:
أدانت وزارة الخارجية السورية الاعتداء على حمص واللاذقية، وأكدت في بيان أن "سوريا تدين العدوان الجوي الإسرائيلي على مواقع في محافظتي حمص واللاذقية"، مشيرة إلى أن "الاعتداءات تمثل خرقاً صارخاً لسيادة سوريا وتهديداً مباشراً لأمنها الإقليمي". كما أعربت الحكومة السورية عن "رفض أي محاولات للمساس بالسيادة السورية أو الأمن الوطني"، ودعت "المجتمع الدولي ومجلس الأمن لتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية".
مفاوضات تحت النار:
أوضح المحلل العسكري، العقيد أديب عليوي، أن "إسرائيل ما تزال تعربد في الأجواء السورية وغير السورية، وهذا التصعيد ليس الأول من نوعه بل هو مستمر". وأضاف أن "هناك رسائل تريد إسرائيل إيصالها، منها أنها تحاول أن تفاوض تحت النار، وأيضا لا ترغب في أن يكون هناك استقرار في المنطقة وفي الجبهات المجاورة، كما أنها تحاول أن تتحرش بتركيا بطريقة أو أخرى على الأراضي السورية". وأشار إلى وجود انقسام في الحكومة الإسرائيلية بين من يريد استمرار الفوضى ومن يريد إحلال السلام، بالإضافة إلى مشاريع إقليمية مختلفة.
الموقف الإسرائيلي:
نقلت قناة "الحدث" عن مصدر أمني إسرائيلي قوله: "نتحدث مع سوريا حول ترتيبات أمنية ونستخدم القوة عند الحاجة"، مضيفًا أن "الإدارة السورية الجديدة وبضغط خارجي غير معنية بأي ترتيبات جدية". وتابع: "سوريا تحاول التملص والمراوغة من الترتيبات بضغط خارجي"، مشيرا إلى أن "الوضع السوري الداخلي هش للغاية ونخشى على أمننا". وأكد المصدر الأمني الإسرائيلي أن إسرائيل "تُصر على نزع السلاح في الجنوب السوري، وسنضرب كل خطر مهما كان وأينما كان".
تصعيد متواصل وأبعاد إقليمية:
منذ سقوط النظام السابق، كثّفت إسرائيل غاراتها على مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة في سوريا، مستخدمةً سياسة الضربات السريعة. ويحمل هذا التصعيد رسائل تتجاوز البعد العسكري، إذ يشكّل أداة ضغط على دمشق لدفعها نحو ترتيبات أمنية في الجنوب تخدم مصالح تل أبيب، كما يعكس رغبة إسرائيل في استخدام القوة العسكرية كورقة تفاوض.
تحصيل تنازلات من الحكومة السورية:
أكد نورس العبد الله، الباحث في مركز الحوار السوري، أن "إسرائيل نفذت موجة قصف عنيفة على مجموعة مواقع عسكرية في سوريا يوم أمس، بعد توقف لعمليات القصف خلال الفترة السابقة، الأمر الذي يمكن قراءته مع الأنباء عن جولة تفاوض جديدة، باعتباره استخدامًا من إسرائيل لسياسة الضغط العسكري لتحصيل تنازلات من الحكومة السورية في هذه المفاوضات". وأضاف: "ومع وجود تطور في التعاون العسكري السوري–التركي، فإن الاستهدافات الجديدة تهدف إلى تقديم رسائل واضحة بمنع بناء الجيش السوري على أرض الواقع أو امتلاكه قدرات يمكن أن تشكل مستقبلًا آلية ردع للتدخلات الإسرائيلية".
ومع تكرار الغارات الجوية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية، يتجه المشهد نحو مزيد من التعقيد، في ظل عجز مجلس الأمن والمجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات عملية للحد من هذه الاعتداءات. وبينما تواصل الحكومة السورية في دمشق التنديد وتطالب بمواقف رادعة، تصر إسرائيل على المضي قدماً في ضرباتها بذريعة حماية أمنها القومي.