تشكل الزراعة المائية، أو الزراعة بدون تربة، حلاً زراعياً عصرياً يسعى لتجاوز التحديات البيئية التي تواجه الزراعة التقليدية في سوريا. ورغم انتشارها في دول مثل لبنان وتركيا والأردن، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى دعم وتوعية لتعزيز دورها الاقتصادي في سوريا.
المهندس الزراعي ظهير صالح، المدير الفني والشريك المؤسس لشركة متخصصة في صناعة الأسمدة، أوضح لـ"الثورة" أن الزراعة المائية تعتمد على استبدال التربة بوسط بديل يوفر العناصر الغذائية اللازمة للنبات، معتمداً على التغذية المعدنية الدقيقة عبر محلول "مغذي مسالي" لضمان إنتاجية عالية وجودة مستدامة.
وأضاف أن الزراعة المائية تنجح في المناطق التي تعاني من تربة موبوءة، ضعيفة الخصوبة، أو تفتقر إلى التربة، كما توفر حلاً للزراعة في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة، إذ تحقق وفورات كبيرة في استهلاك المياه.
تتفوق الزراعة المائية من حيث جودة الإنتاج وكمية المحصول، وتعتبر الأقرب إلى "الزراعة في أفضل تربة في العالم"، حيث لا تتدهور خصوبة الوسط الزراعي بسبب التزويد المستمر والمتوازن بالمغذيات.
وأشار المهندس صالح إلى أن الخضراوات الثمرية مثل البندورة، الخيار، الباذنجان، والفليفلة، إلى جانب الفريز، هي الأكثر رواجاً في سوريا، وتوفر إنتاجاً متميزاً ينافس الإنتاج الأوروبي من حيث الطعم والجودة.
وفي إطار جهود تطوير القطاع الزراعي، تلعب الزراعة المائية دوراً حيوياً في سوريا. وتنتج الشركة التي يديرها المهندس صالح المحلول المغذي الخاص بالزراعة المائية، وهو العنصر الأساسي لضمان تغذية النباتات بشكل متوازن، كما تقوم بتجهيز البيوت البلاستيكية وتحويلها إلى أنظمة زراعة مائية متقدمة.
تهدف الشركة إلى دعم المزارعين ذوي الخبرة، خصوصاً الذين يزرعون البندورة والخضراوات الثمرية، والذين يعانون من مشاكل في التربة أو يرغبون في تأسيس مشاريع زراعية جديدة. ونوه إلى أن رجال الأعمال الذين يدخلون المجال دون خلفية زراعية غالباً ما يواجهون صعوبات.
أكد المهندس صالح أن الزراعة المائية ليست حلاً سحرياً، بل هي الحل الأمثل لمعالجة تحديات التربة، ويجب أن يُنظر إليها كمهنة مختلفة تتطلب مهارات وتقنيات متخصصة.
وحول التحديات التي تواجه الزراعة المائية في سوريا، أوضح المهندس صالح أن أبرزها ارتفاع تكلفة تجهيز الأحواض الزراعية. ولتلافي ذلك، ابتكرت الشركة استخدام أحواض بلاستيكية متوفرة محلياً وبأسعار منخفضة، بالإضافة إلى تطوير وسط بديل يسمى "صعيد بابل" يحتوي على عنصر الكالسيوم، مما يقلل من تكلفة المحلول المغذي ويحسن من كفاءته.
وشدد على أن نجاح الزراعة المائية يتطلب دعماً إعلامياً وتشجيعاً من الجهات المعنية، ولاسيما من خلال حملات توعية وتوفير قروض ميسرة لتحفيز أصحاب البيوت البلاستيكية على التحول إلى أنظمة الزراعة المائية.
تتيح الزراعة المائية للمزارع إنتاج خضراوات عالية الجودة وكميات أكبر بتكاليف تشغيل أقل مقارنة بالزراعة التقليدية، ورغم أن تكلفة الإنشاء الأولي مرتفعة بعض الشيء، فإن العائد الاقتصادي والبيئي يفوق ذلك بكثير.
الزراعة المائية تشكل فرصة حقيقية لسوريا لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين جودة الإنتاج الزراعي، إضافة إلى إمكانية دعم الاقتصاد الوطني عبر تصدير منتجات ذات قيمة عالية. لكن نجاح هذا القطاع يرتبط بوعي المزارعين، دعم الجهات الرسمية، وتوفير الخبرة الفنية المناسبة.
الزراعة المائية ليست مجرد تقنية جديدة، بل هي مستقبل الزراعة في المناطق التي تواجه تحديات التربة والمياه، ويجب أن يُنظر إليها كمهنة مستقلة تستحق الاستثمار والتعليم والدعم.