في إطار الجهود المستمرة لزيادة الوعي باضطراب التوحد وكيفية التعامل مع الأطفال المصابين به، استضاف المشفى السوري التخصصي في عفرين محاضرة علمية بعنوان "فهم اضطراب التوحد… خطوة نحو التغيير".
قدم المحاضرة الدكتور عبدالحميد شيبان، المتخصص في الصحة النفسية والعلاج النفسي، بحضور عدد من الأهالي والمهتمين. وأوضح الدكتور شيبان أن الهدف من المحاضرة هو التركيز على أهمية التشخيص الدقيق للتوحد والتمييز بينه وبين الاضطرابات الأخرى كصعوبات التعلم، فرط النشاط، ونقص الأوكسجين. وأشار إلى أن الاكتشاف المبكر يسهم بشكل كبير في تحسين فرص العلاج والتأهيل، مؤكدًا على ضرورة أن تكون العملية العلاجية شاملة من الناحية الطبية والنفسية والاجتماعية والمعرفية، مع التركيز على تطوير مهارات التواصل البصري واللغوي.
كما أكد الدكتور شيبان على أن نجاح الأطفال المصابين بالتوحد أكاديميًا ومهنيًا يعتمد على وعي الأسرة والمجتمع بأهمية دورهم في دعمهم، مشددًا على ضرورة تعزيز ثقافة تقبل الآخر ونبذ النظرة السلبية المرتبطة بالاضطرابات النفسية.
من جهته، صرح صابر عثمان، المسؤول الطبي في المشفى السوري التخصصي، بأن "الندوة تهدف إلى إعادة تسليط الضوء على أطفال التوحد وطرح سؤال جوهري: هل انتهت وصمة العار أم أنها لا تزال قائمة؟". وأضاف أن الوصمة لا تزال موجودة بسبب صعوبة تعامل بعض الأسر مع أطفالهم وعدم تقديرهم بالشكل الكافي. وأوضح أن أطفال التوحد لديهم القدرة على مواصلة تعليمهم وإظهار مواهبهم في مجالات مختلفة كالرسم والعلوم إذا توفرت لهم الظروف المناسبة. وأشار إلى أن المشفى قد أطلق مبادرة لدعمهم وسيواصل العمل على إنشاء مراكز متخصصة قادرة على دمجهم في المدارس والمجتمع.
المهندسة مريم بريم، والدة طفل مصاب بالتوحد، شاركت تجربتها مع ابنها، وأشارت إلى أنها اكتشفت إصابته في عمر سنة ونصف، في فترة لم تكن تتوفر فيها مراكز أو أخصائيون متخصصون. وأوضحت أنها اعتمدت على مصادر الإنترنت، مما أثر سلبًا على حالتها النفسية، ولكنها تمكنت لاحقًا من إلحاقه بجلسات علاجية ساعدته تدريجيًا حتى أصبح قادرًا على الكلام والتواصل البصري. وأضافت أن ابنها، الذي يدرس الآن في الصف الثاني، يواجه صعوبة في مادة اللغة العربية على الرغم من تفوقه في مواد أخرى، مؤكدة أن الصبر هو السلاح الأهم للأمهات في مواجهة هذه التحديات.
أما أريج سراج الدين، فقد ذكرت أنها لاحظت أعراض التوحد على طفلها في عمر ثلاث سنوات وبدأت رحلة البحث عن العلاج والمعرفة. وأشارت إلى أن الأطباء اقترحوا عليها أدوية، لكنها اكتفت بالأوميغا 3، مع التركيز على الوسائل السلوكية والغذائية لتخفيف فرط النشاط، مؤكدة أن نقص المراكز المتخصصة وعدم قبول المدارس الحكومية والخاصة يمثلان أبرز التحديات التي تواجه الأهالي.
ديالا مصطفى، خريجة إرشاد نفسي، أوضحت أن مشاركتها في المحاضرة جاءت من منطلق اهتمامها بمجال الاضطرابات النفسية ورغبتها في نشر الوعي. وأكدت أن التعامل الصحيح مع الطفل منذ ظهور الأعراض المبكرة يسهم في تحسين نتائج العلاج لاحقًا، مشددة على أن التوعية هي الأساس في مواجهة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالتوحد.
التوحد في سطور
اضطراب التوحد هو أحد الاضطرابات النمائية العصبية التي تظهر في السنوات الأولى من عمر الطفل، وتؤثر في قدرته على التواصل والتفاعل الاجتماعي. وتؤكد الدراسات أن التشخيص المبكر والتدخل السلوكي والتعليمي المناسب يسهمان في تحسين مهارات الطفل وفرص اندماجه. وعلى الرغم من الصعوبات التي يفرضها هذا الاضطراب على الأسر، إلا أن الدعم الأسري والمجتمعي يمثل حجر الزاوية في تمكين هؤلاء الأطفال ليصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع.