في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بدور التغذية في دعم الصحة النفسية والعصبية، خاصةً للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة تتجاوز الأدوية والبرامج السلوكية لتشمل العناصر الغذائية الدقيقة. ومن بين النباتات التي حظيت باهتمام الباحثين والأطباء، تبرز الرجلة (البقلة) كخيار غذائي غني بالفوائد الصحية، وذلك لمحتواها العالي من أحماض أوميغا 3 الدهنية، وهو أمر نادر في الخضراوات الورقية.
أكد الدكتور سعيد العلي، أستاذ علم التغذية في صحيفة "الحرية"، أن الرجلة تعتبر من أغنى المصادر النباتية بحمض ألفا لينولينيك (ALA)، وهو أحد أنواع أوميغا 3. هذا الحمض يشكل اللبنة الأساسية في بناء أغشية الخلايا العصبية، وله دور محوري في تنظيم الإشارات العصبية وتحسين التفاعل بين الخلايا الدماغية. وأوضح العلي أن العديد من الدراسات السريرية أظهرت ارتباط نقص أوميغا 3 بظهور أعراض مثل التهيج، ضعف التركيز، واضطرابات النوم لدى الأطفال المصابين بالتوحد، مما يجعل إدخال مصادر طبيعية لهذا العنصر ذا أهمية بالغة.
من جهة أخرى، ترى الدكتورة هبة حسن، اختصاصية طب الأطفال والسلوك الغذائي في محافظة اللاذقية، أن التغذية قد لا تكون علاجاً قائماً بحد ذاته للتوحد، إلا أنها تمثل ركيزة داعمة لا غنى عنها في الخطط العلاجية المتكاملة. وأضافت أنها لاحظت تحسناً طفيفاً في بعض المهارات الاجتماعية والانتباه لدى عدد من الأطفال حين تم تعديل نظامهم الغذائي ليشمل مصادر غنية بالأوميغا 3، مثل الرجلة، إلى جانب خفض السكريات والمحسنات الصناعية. وأكدت الدكتورة حسن أن الرجلة تمتاز بغناها بمضادات الأكسدة والفيتامينات مثل فيتامين A وC، مما يدعم جهاز المناعة ويقلل من الالتهابات العصبية، وهي عوامل يُعتقد أن لها صلة بتطور أعراض التوحد.
وحذرت الدكتورة حسن من الإفراط في استخدام الرجلة دون استشارة طبية، خاصةً في حالات الأطفال الذين يعانون من مشاكل في الكلى أو تراكم الأوكسالات، وهو مركب طبيعي قد يؤدي إلى تكون الحصى عند بعض الأشخاص. وأكدت أهمية إدخال مثل هذه الأغذية ضمن نظام غذائي متوازن، لا أن يُنظر إليها كعلاج سحري أو بديل للعلاج الطبي أو السلوكي.
في الختام، يبقى دور الرجلة في دعم أطفال التوحد موضوعاً واعداً يتطلب المزيد من الدراسات العلمية المحكمة لتحديد آلياته وتأثيراته الفعلية. إلا أن ما يبدو واضحاً، وفق آراء الاختصاصيين، أن التغذية السليمة تفتح نافذة أمل جديدة تعزز جودة حياة هؤلاء الأطفال وتدعم نموهم العقلي والسلوكي بطرق طبيعية وآمنة، في عالم يزداد وعيه بأهمية ما يوضع في طبق الطفل، ولاسيما حين يكون متنوعاً.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية