ماذا يحدث لو شعر الصحفي بأن تبني خطاب الكراهية أو التحريض الطائفي سيعرضه لخسارة وظيفته؟ بالتأكيد سيكون هذا رادعاً قوياً، يمنع الكثيرين من الانزلاق إلى هذا الخطاب الذي رأينا آثاره مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي. الكلمة في سوريا تحولت إلى رصاصة ساهمت في قتل الأبرياء، وحرمان الطلاب من التعليم، وزيادة تمزيق الروابط الاجتماعية الهشة أصلاً.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
تقوم الفكرة على وضع كل مؤسسة إعلامية "ميثاق شرف" داخلياً، يحدد بوضوح مبادئ وشروط العمل الصحفي، ويرفض خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، ويلتزم بالشفافية والدقة والتوازن في التغطية، ويحترم المعايير المهنية. يجب ألا يظل هذا الميثاق حبراً على ورق، بل وثيقة ملزمة يوقع عليها جميع العاملين، من إداريين وصحفيين، ويتعهدون بعدم المساهمة في التحريض الطائفي أو نشر خطاب الكراهية، بما في ذلك ما ينشرونه على صفحاتهم الشخصية.
فالمؤسسة لا تنفصل صورتها عن صورة الصحفيين العاملين بها، وحساباتهم على السوشيال ميديا أصبحت امتداداً لصوتها. لذلك، يصبح من الضروري أن يشمل الميثاق حظر نشر أي محتوى يتضمن كراهية أو عنفاً أو تمييزاً، مع تحديد عقوبات واضحة للمخالفين. يمكن أن تبدأ هذه العقوبات بالتنبيه، ثم الإنذار، ثم الخصم من الراتب، وصولاً إلى فسخ العقد أو الفصل في حال تكرار المخالفات.
بهذه الطريقة، يتحول الميثاق إلى نظام ردع عملي، وليس مجرد توصيات أخلاقية. كما أن إدراج "قائمة سوداء" داخلية بأسماء من يخالفون هذه القواعد يجعل الجميع يدرك أن المؤسسة تضع سمعتها ومصداقيتها فوق أي اعتبار. المسألة هنا ليست تقييداً للحريات، بل حماية للمهنة من الانحراف، وللمجتمع من خطاب يؤجج الانقسامات ويهدد السلم الأهلي.
عندما يوقع الصحفي عقد عمله، فإنه يوقع أيضاً على التزام أخلاقي يحدد معايير سلوكه المهني والشخصي. هذا يعزز ثقافة الانضباط والمسؤولية، ويمنح المؤسسة أداة عملية لحماية صورتها أمام جمهورها، الذي لم يعد يتسامح مع الانحيازات أو التحريض.
إن مواجهة خطاب الكراهية لا تتحقق بالشعارات فقط، بل بخطوات ملموسة على مستوى كل مؤسسة إعلامية. الميثاق الذاتي ليس مجرد ورقة، بل إعلان صريح بأن الإعلام قادر على ضبط نفسه بنفسه، إذا توفرت الإرادة والإدارة الجيدة.
في النهاية، لن يوقف خطاب الكراهية أي قانون مهما اشتد، ما لم تبدأ المؤسسات الإعلامية من ذاتها، وتثبت أن الكلمة مسؤولية لا تقل وزناً عن الرصاصة، وأن الصحافة الحقيقية لا تبنى إلا على ميثاق شرف يحمي المجتمع قبل أن يحمي المهنة.