الخميس, 25 سبتمبر 2025 02:29 AM

صناعة النشر في سوريا: تحديات اقتصادية وفرص التحول الرقمي

صناعة النشر في سوريا: تحديات اقتصادية وفرص التحول الرقمي

دمشق-سانا: تعتبر صناعة النشر في سوريا قطاعاً حيوياً يعكس الثقافة والمعرفة الوطنية، ويمثل نافذة مهمة لنقل الأفكار والأدب والعلوم إلى القراء داخل البلاد وخارجها. على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهت هذه الصناعة في السنوات الأخيرة، حافظت دور النشر السورية على الهوية الثقافية وساهمت في تعزيز الإنتاج الفكري المحلي.

في هذه الجلسة الحوارية التي أجرتها سانا مع عاطف نموس، الأمين العام لاتحاد الناشرين السوريين، وعبد الله الشلاح، المسؤول الإعلامي في الاتحاد، نستعرض واقع صناعة النشر في سوريا، والتطورات التي شهدتها، والجهود المبذولة لدعم الناشرين والمؤلفين، ومبادرات التطوير الرقمي.

سانا: كيف ترون وضع صناعة النشر في الوقت الراهن؟

نموس: تمر صناعة النشر بمرحلة دقيقة وصعبة، نظراً لارتفاع تكاليف الطباعة وتراجع مستويات القراءة وضعف القدرة الشرائية، ولكن رغم ذلك، هناك فرص مهمة من خلال التحوّل الرقميّ الذي يوسع إمكانات النشر والتواصل مع القارئ خارج الحدود التقليدية.

الشلاح: إضافة لذلك، لا بدّ من الإشارة إلى ضعف التشريعات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، ما يفتح الباب للقرصنة ويؤثر سلباً في حقوق الناشرين والمؤلفين، ويضعنا أمام تحدٍ كبير يتطلب إصلاحات قانونية عاجلة وحلولاً ناجحة لضمان حماية مستدامة للمبدعين.

سانا: ما هو وضع مشاركة الناشرين السوريين في المعارض العربية والدولية؟

نموس: نسعى لتعزيز التعاون مع الجهات الرسمية لتوفير الدعم المالي واللوجستي الذي يسهل مشاركة الناشرين؛ لأن وجودنا في مثل هذه المعارض يعزز صورة الثقافة السورية، ويسهم في تسويق الأفكار والإصدارات.

الشلاح: يواجه الناشرون السوريون تحديات كبيرة تتمثل في تكاليف الشحن والإيجار والمشاركة، ما يحد من انتشارنا في الخارج رغم رغبتنا القوية في الوجود، لكن التجارب تؤكد أن الكتاب السوري يحظى بطلب متزايد في الخارج.

سانا: كيف تنظرون إلى التحول الرقمي والكتاب الإلكتروني؟ هل هو بديل للكتاب الورقي؟

نموس: نحن لا نرى الكتاب الإلكتروني كبديل، بل هو رافد مهم يكمل الكتاب الورقي، حيث إن الكتاب الرقمي يفتح الأبواب أمام أجيال جديدة من القراء خصوصاً الشباب، ويمكن توزيعه بشكل أوسع وأسرع، لكن مع ضرورة بناء منصات عربية تراعي حقوق الملكية الفكرية وتضمن حماية حقوق الناشرين والمؤلفين.

الشلاح: الكتاب الورقي له سحره وخصوصيته التي لا يمكن تعويضها، لذلك يجب دعم وجود الكتاب الورقي إلى جانب التطورات التقنية، وأن نوفر للقراء خيارات تناسب تفضيلاتهم المتنوعة.

سانا: كيف تقيمون وضع التشريعات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية في سوريا؟

نموس: ملف حقوق الملكية الفكرية يعتبر من الملفات الساخنة والمهمة، وبسبب عدم وجود تشريعات واضحة وحازمة في سوريا، هذا الأمر أثر سلباً في حماية حقوق المؤلفين والناشرين، لكن هناك نوايا وخطط للعمل على إحداث إصلاحات قانونية خاصة تضع قواعد واضحة وتطبيق فعلي للحقوق وتأمين عقوبات مناسبة للمتعدين.

الشلاح: هناك تجارب ناجحة في دول مجاورة يمكن الاستفادة منها في قوننة هذا الملف، وتفعيل اللجان المختصة لضمان احترام الحقوق، وتعزيز الثقة بين جميع أصحاب المصلحة.

سانا: ما هو دور اتحاد الناشرين في مواجهة التحديات التي تمر بها صناعة النشر؟ وهل وضعتم خطة عمل مستقبلية؟

نموس: الاتحاد بصدد إعادة تنظيم هيكلي لمقراته وعلاقاته الداخلية والخارجية، حيث افتتحنا مقراً جديداً في المكتبة الوطنية لتسهيل التواصل ومشاريع التطوير، كما تتم مراجعة الأنظمة الداخلية واللوائح لضبط تراخيص دور النشر وتنظيم العمل التشاركي مع الوزارات ذات العلاقة.

الشلاح: أعددنا مسودات لشراكات مع وزارتي الثقافة والإعلام لتعزيز الدعم المادي والمعنوي للناشرين، والتركيز على تطوير منهجيات عمل تراعي التنوع وتدعم ناشري الكتب ذات القيمة الثقافية والعلمية، ونظمنا أولى ملتقيات الناشرين بعد التحرير لتحقيق تواصل فعال وتبادل الخبرات.

سانا: كيف تقيمون العلاقة بين الجانب الاقتصادي والثقافي في صناعة النشر؟

الشلاح: في ظل الواقع الاقتصادي الراهن، يظل الكتاب منتجاً ثقافياً بالدرجة الأولى، فالاهتمام به ينبع من ضرورة الحفاظ على الثقافة والهوية، أما البعد الاقتصادي فيشكل مرحلة لاحقة عندما تتحسن الظروف ويصبح الناشر مؤهلًا للعب دور اقتصادي تنموي، وهذا الأمر يتطلب دعماً حكومياً وتنسيقاً بين وزارات الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي والإعلام، لتوفير موارد تشجع الناشرين على تقديم محتوى متنوع بجودة عالية، مع تهيئة السوق والبيئة التشريعية.

سانا: ما الأولويات التي تركزون عليها في العمل التنفيذي للاتحاد لدعم صناعة النشر؟

نموس: الأولوية حالياً هي ضبط تراخيص دور النشر ووضع معايير مهنية واضحة ترفع من مستوى الصناعة، إضافة إلى بناء شراكات قوية مع الجهات الحكومية لتوفير الدعم، وإعادة بناء الثقة بالمؤلف والناشر والكتاب.

الشلاح: طرح مبادرات على الوزارات المعنية لتقدم حلولاً نوعية للتحديات التي تم الحديث عنها مثل آلية واضحة لضبط الكتاب المزور، وإقامة معارض الكتاب الدورية في المراكز الثقافية، وبرامج لدعم الناشر المميز، وتحفيز صناع القرار على اتخاذ خطوة جادة في هذا السياق، والقيام بالدور المطلوب من الاتحاد كأداة مساندة لإنجاح هذه المبادرات.

سانا: كيف تقيمون وجود دور نشر غير منظمة أو وهمية وتأثيرها على سوق النشر؟

الشلاح: للأسف، وجود هذه الظاهرة يشتت صناعة النشر ويقلل من جودتها وينتج عن ذلك نزيف ثقافي واقتصادي، لذلك بدأ اتحاد الناشرين باعتماد نظام صارم لتجديد التراخيص ومتابعة مدى التزام دور النشر بالاشتراطات اللازمة، مع فرض رسوم ترخيص مناسبة دون تحميل الناشرين القدامى أعباء غير منطقية.

سانا: هل هناك جهود لإطلاق منصات إلكترونية لدور النشر السورية؟

نموس: هناك عمل حقيقي في هذا المجال، ولاسيما أن الكثير من الإصدارات السورية مطلوبة من الجمهور داخل سوريا وخارجها، ومع انتشار القرصنة أصبح من الضروري ابتكار حلول تقنية لحماية حقوق المؤلفين والناشرين.

الشلاح: نعمل على إطلاق موقع إلكتروني مطوّر للاتحاد يعرض قاعدة بيانات تفصيلية بجميع إصدارات الناشرين السوريين الذين ننتظر تزويدنا بقوائمهم الكاملة، حيث أعلنا عن ذلك في ملتقى الناشرين الذي أقيم مؤخراً في المكتبة الوطنية بدمشق بمشاركة عدد كبير من أعضاء الاتحاد، ومن المتوقع أن تكون هذه المنصة متاحة قريبًا لجميع الزوار.

سانا: هل يفكر اتحاد الناشرين بتنظيم فعاليات ثقافية جماهيرية؟

نموس: نعمل على إقامة معارض كتب متنقلة في المحافظات السورية بالتعاون مع وزارة الثقافة ومديرياتها، وكذلك وزارة التربية والتعليم.

الشلاح: نسعى لنشر ثقافة القراءة وتشجيع المؤلفين السوريين ضمن بيئة مشجعة، ونحن في هذا الصدد بحاجة دعم حكومي، سواء عبر التسهيلات أو الميزانيات.

سانا: هل سيشهد قطاع النشر توجهاً لإصدار كتب توثق الثورة السورية أدبياً وتاريخياً؟

نموس: هذا الموضوع على درجة شديدة الأهمية، ولاسيما أن هناك كتباً كثيرة صدرت، ونحن نعمل على توثيق الأحداث بدقة بعيدًا عن الانفعال أو التحيز، ما يستدعي جهدًا كبيرًا في التحقيق والمقارنة للوصول إلى حقيقة الحدث التاريخي. وأنا شخصيًا أعمل على تأليف موسوعة في التاريخ السوري الحديث تغطي حقبة الثورة.

سانا: هل نشهد دخول دور نشر جديدة إلى السوق السوري؟

الشلاح: نعم، هناك دور نشر سورية نشأت خلال سنوات الثورة في الخارج وعادت اليوم للعمل في الداخل، وهذا يعكس حيوية القطاع واستعداد الناشرين للمساهمة في إعادة بناء المشهد الثقافي السوري.

صناعة النشر في سوريا التي تواجه تحديات متعددة قادرة على النهوض، مع التخطيط السليم والدعم المتكامل والحفاظ على ميراث ثقافي حيوي للأجيال القادمة.

مشاركة المقال: