الأربعاء, 24 سبتمبر 2025 06:48 PM

لماذا تفشل جهود السيطرة على سعر صرف الليرة السورية؟ خبير يوضح الأسباب والحلول

لماذا تفشل جهود السيطرة على سعر صرف الليرة السورية؟ خبير يوضح الأسباب والحلول

ألقت صحيفة "الثورة" الرسمية الضوء على العلاقة المعقدة بين السياسات النقدية وتأثيرها على معاناة السوريين نتيجة لتذبذب سعر صرف الليرة السورية، وما يترتب على ذلك من انعكاسات مباشرة على الأسواق والقدرة الشرائية للمواطنين.

في حوار مطول أجرته الصحيفة مع الدكتور فراس شعبو، أستاذ العلوم المصرفية والمالية في جامعة حلب، تناول القرارات النقدية الأخيرة، ووصفها بأنها ذات طابع مؤقت ومجزأ. وأشار إلى أنها ربما ساهمت في تحسين الصورة الرسمية والتحكم بالأسعار على المدى القصير، إلا أنها لم تكن كافية لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف على المدى المتوسط.

يعزو الدكتور شعبو السبب في ذلك إلى أن هذه الإجراءات لم تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة، مثل ضعف الإنتاج المحلي، وتأثير العقوبات، وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي، والعجز الكبير في الموازنة العامة، والاقتصاد غير المنتج.

ويوضح أن محاولات المصرف المركزي، من خلال تحديد سقوف للسحوبات أو إصدار تعاميم لدعم الليرة، ظلت محدودة الفعالية، مؤكداً أن السوق السوداء أصبحت المتحكم الفعلي بالأسعار، وأن نشرات المصرف المركزي لم تعد ذات مصداقية كبيرة.

ويؤكد شعبو على أن السياسات النقدية تحتاج إلى وقت حتى تظهر نتائجها، معتبراً أن أي إجراء نقدي لا يمكن تقييمه بشكل كامل إلا بعد مرور فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنة كاملة، وبالتالي فمن السابق لأوانه إصدار أحكام نهائية على بعض القرارات.

إلا أنه يشدد على أن غياب التكامل بين السياسات النقدية (المصرف المركزي)، والمالية (وزارة المالية)، والاقتصادية (وزارة الاقتصاد والتجارة) يؤدي إلى تناقض الجهود، بحيث يلغي أحدها تأثير الآخر.

ويرى الخبير شعبو أن فشل السيطرة على سعر الصرف يعود إلى عوامل هيكلية عميقة، من بينها نقص الاحتياطيات الأجنبية، واتساع نطاق الاقتصاد غير الرسمي ليشكل 80% من الاقتصاد السوري، وضعف الإنتاجية والاعتماد الكبير على الاستيراد، بالإضافة إلى الفساد المتراكم منذ حقبة النظام المخلوع، وتراكمات الإنفاق غير المنتج، وغياب الثقة بالمصارف، التي تحولت، على حد وصفه، إلى مجرد "مخازن أموال" لا تؤدي دورها الحقيقي.

ويشير إلى أن القيود السابقة على السحب والتحويل قد عززت من هيمنة السوق السوداء، التي باتت تمتلك الكتلة الأكبر من السيولة النقدية.

ويشدد الدكتور شعبو على أن الحلول لا يمكن أن تكون آنية، بل تتطلب إصلاحات هيكلية شاملة، تشمل رفع الناتج المحلي الإجمالي، ودعم القطاعات الإنتاجية والصناعات المحلية، وتعزيز الاحتياطيات من العملات الأجنبية، ووقف التمويل بالعجز والحد من طباعة العملة، وإعادة هيكلة منظومة الدعم، والتوجه نحو الصيرفة الإلكترونية لتعزيز الشمول المالي وتقليص الحاجة إلى السيولة النقدية.

ويضيف أن غياب هذه الإصلاحات يعني استمرار تراجع الطلب المحلي والاستثمار، وتعطل سلاسل التوريد، والاعتماد بشكل أكبر على المقايضة والتعاملات خارج القنوات الرسمية.

ولا يخفي الخبير استياءه من واقع المصارف السورية، قائلاً: "المصارف اليوم ضعيفة جداً، ورأس مال أفضل المصارف الخاصة لا يتجاوز 10 ملايين دولار، بينما معظمها لا يزيد عن 3.5 ملايين، وبعضها أقل من نصف مليون، كيف يمكن لقطاع بهذا الحجم أن يواكب مرحلة إعادة الإعمار؟".

ويعتبر أن ضعف الرقابة والتأخر في إعادة الهيكلة قد حال دون دمج المصارف في النظام المالي العالمي، مشيراً إلى محدودية القروض والخدمات المصرفية، وحتى عدم التزام بعض البنوك بتعليمات المصرف المركزي.

ورغم ذلك، يرى شعبو أن المصارف الخاصة يمكن أن تؤدي دوراً محورياً في المستقبل، من خلال توسيع الشمول المالي، وتقديم الائتمان للقطاع الخاص، خصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإدخال خدمات رقمية متطورة تخفض التكاليف وتزيد الكفاءة، واستعادة الثقة بالنظام المالي من خلال منتجات مبتكرة، وتمويل الاستثمارات العملاقة المرتبطة بمرحلة إعادة الإعمار.

وأشار شعبو إلى الإشكالية التي تتسبب بها بعض التصريحات الرسمية، قائلاً: "هناك مبالغة سواء على مستوى عدة خدمات منها مثلاً الكهرباء، فالمواطن يعيش واقعاً مختلفاً، وهذا التناقض يضعف الثقة بالسلطات النقدية والاقتصادية".

وفي ختام حديثه، يوضح الخبير أنه حتى الآن لا توجد رؤية واضحة لشكل الاقتصاد السوري في المستقبل، وأن ما يُطرح من قبل المعنيين مجرد عناوين عامة ووعود فضفاضة، وأن المطلوب اليوم هو استراتيجية اقتصادية حقيقية تقوم على إصلاحات هيكلية شاملة، تبدأ من إعادة الثقة بالمؤسسات المالية، مروراً بدعم الإنتاج، وصولاً إلى تكامل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية.

مشاركة المقال: