الإثنين, 29 سبتمبر 2025 02:16 AM

بين الأمل والوهم: قراءة في تحديات الواقع وتطلعات المستقبل

بين الأمل والوهم: قراءة في تحديات الواقع وتطلعات المستقبل

باسل علي الخطيب: يكاد يكون السؤال عن الحال جوابًا موحدًا بأنه في أسوأ الأحوال، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها القلق والترقب المتزايد نتيجة التشويش المستمر. فكما تعلمنا صغارًا، "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، هذا الأمل الذي نتشبث به لمواجهة صعاب الحياة.

الأمل، في جوهره، جزء من الإيمان، إذ لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. لكن، يختلط الأمر على البعض بين الأمل والوهم. فمن قال: إذا كان للمشكلة حل، فلا داعي للقلق، وإذا لم يكن لها حل، فلا فائدة من القلق؟

الوهم يشبه تعاطي المخدرات، يبدأ بجرعات صغيرة ولحظات لذة زائلة، تدفع المرء إلى جرعات أكبر وأنواع أقوى. سرعان ما تزول اللذة، ويبقى الواقع على حاله، فيلجأ المرء إلى جرعة أخرى، وهكذا حتى الإدمان. النتيجة هي فقدان القدرة على التحكم في إيقاع الحياة، ليصبح المرء حطامًا يرثي حطامًا.

لقد كتبت سابقًا مقالات أدعو فيها إلى التوقف عن متابعة أو الاستماع إلى أولئك القابعين في الخارج، سواء كانوا مجالس أو سياسيين أو ناشطين أو مؤثرين أو أصحاب منصات. عدم الاستماع إليهم هو ثلاثة أرباع راحة البال، فهم يبيعون الوهم، ويدغدغون المشاعر، ويلعبون على الأماني. تتلذذون للحظات بتلك "الشطحات" وابر التخدير، وعندما تستفيقون، تجدون أنفسكم أمام الواقع نفسه، ولكن مع إحباط أكبر.

والأدهى من ذلك، متابعة تعليقاتكم على ما ينشرون، حيث تسألونهم عن الأوضاع هنا، وعن القضية الفلانية أو المشكلة الفلانية! هذا حقًا شر البلية ما يبكي. ولا تقولوا لي إن الغريق يتعلق بقشة، فهل تنقذ القشة الغريق؟ وكما قال الشاعر: لا تشكو للناس جرحًا أنت صاحبه، لا يؤلم الجرح إلا من به ألم.

هذا هو إدمان الوهم. أولئك يتحدثون بقطعية، وكأنهم الوحيدون الذين يمتلكون صكوك الوطنية والولاية، يفرشون أمامكم التوقعات والخطط التي تداعب أمانيكم، وكأن كل واحد فيهم يحضر اجتماعات دورية مع كبار قادة العالم، وهؤلاء يستشيرونهم فيما سيفعلون. يتكلمون وكأن بأيديهم مفاتيح التغيير، وكلهم بالكاد يستطيع الواحد فيهم تغيير بنطاله.

وحتى تكتمل المأساة-الملهاة، ترى كل فريق من أولئك يلعن بقية الفرقاء. أنا لا انتقد هؤلاء بكلامي، أنا أصف واقعًا، وهذا بالنسبة لهم هو "أكل عيش"، وهذا حقهم، لاسيما أنهم وعائلاتهم يعيشون في نعيم وأمان. ولكن ماذا عنكم أنتم؟ أنتم الذين أدمنتم ذاك الوهم، والحال بعد كل "جرعة" أسوأ وأسوإ. ليست تلك الجرعات جرعات تفاؤل، بل جرعات أوهام بامتياز.

كم من مرة يجب أن يكذب هؤلاء لتصدقوا أنهم يكذبون؟ كم من موعد قد أعطوا وكذبوا؟ كم من توقع قالوه وكذبوا؟ بالله عليكم جميعًا، اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: هل استطاع أحد توقع الأحداث الكبيرة أو المفصلية التي مرت بها المنطقة خلال السنوات السابقة؟ ألم تنزل هذه الأحداث كلها على الجميع كأنها الصاعقة أو الزلزال؟

وعلى سيرة الزلزال، أثناء تلك المحنة قبل عامين ونيف، كان يراسلني الكثيرون ويسألوني عن أخبار قرأوها على تلك الصفحة أو تلك عن هزات ستحصل هنا أو هناك، وكان جوابي الدائم أن الحل في إصبعك الأصغر، كبسة واحدة على زر الحظر، وتنتهي تلك المشكلة-الوهم.

أكرر مرة أخرى، مقالي ليس عن هؤلاء، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، مقالي موجه إليكم أهلي وناسي، أديروا آذانكم، عيشوا حياتكم بالقدر الذي تستطيعون. سيكون هناك حل ما، وسيكون بعيدًا كل البعد عن كل تلك التحليلات أو التهرصات التي تسمعونها، وليس بعد الصبر إلا الفرج، وكلامي ليس تنظيرًا، هذا وعد الله، وأنا أعيش بينكم وما تعيشون، وأحمل على ظهري أضعاف ما يحمل الآلاف منكم، والعاقبة للمتقين، وأقولها لكم: احذروا أمانيكم، ودعوا الأمر لله، والخيرة فيما يختاره الله، وأذكركم بقول ينسب لأمير المؤمنين عليه السلام ولم أتأكد من صحة نسبته، ولكنه قول عظيم: إني أدعو الله في حاجة، فإن أعطانيها فرحت مرة، وإن لم يعطينها فرحت مرات، فالأولى اختياري والثانية اختيار الله علام الغيوب.

(موقع أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: