الثلاثاء, 30 سبتمبر 2025 11:13 PM

الإبداع في عصر السرعة الرقمية: هل ينجو المبدعون من طوفان المحتوى؟

الإبداع في عصر السرعة الرقمية: هل ينجو المبدعون من طوفان المحتوى؟

في عصر المنصات الرقمية التي تنشر ملايين المواد الإبداعية يوميًا، يواجه المبدعون تحديات جمة. فهل تتراجع قيمة الإبداع المتقن أمام المحتوى السريع؟ وهل يمكن للإبداع أن يزدهر في بيئة لا تمنح وقتًا للتأمل؟

لم يعد المبدع ينافس فقط المواهب الأخرى، بل يتحدى أيضًا سرعة العصر وخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تحدد ما يظهر للمستخدم أولاً. كما يواجه مزاج جمهور متقلب يبحث عن المحتوى الخفيف والسريع.

التحدي الحقيقي: البقاء مؤثرًا في بحر المحتوى المتلاطم

الخوارزميات تتحدى فرص التأمل والتأثير

تشير الأرقام إلى أن متوسط زمن مشاهدة المحتوى على إنستغرام لا يتجاوز 8 ثوانٍ، بينما تُنشر يوميًا أكثر من 95 مليون صورة. ودراسة من معهد MIT تفيد بأن تقييم المحتوى البصري يتم خلال 0.05 ثانية فقط. في المقابل، انخفض التفاعل مع المحتوى الطويل بنسبة 60%، بينما نمت منصات مثل TikTok التي تشجع السرعة والمحتوى القصير.

بين المبدع التقليدي والمؤثر الرقمي

المبدع التقليدي

يختار المبدع التقليدي العمل على مشروعه الإبداعي لأشهر، ويمنحه أبعادًا فنية وفكرية لا تُختزل في منشور سريع. إنه يؤمن بأن العمل المتقن يحتاج إلى زمن لينضج وإلى قارئ متأمل.

المؤثر الرقمي

يصنع المؤثر الرقمي المحتوى وفق إيقاع الخوارزميات، ويتنقل بخفة بين صيحات الموضة الرقمية. لا يراهن على العمق، بل على الجاذبية الفورية، حيث تُقاس القيمة بعدد المشاهدات. يستخدم المؤثر أدوات رقمية متقدمة، وقد يصل الأمر إلى خلق شخصيات افتراضية. النجاح هنا مرهون بالردود الفورية والتكيف المستمر في اقتصاد الانتباه.

سؤال يطرح نفسه: كيف يمكن تثبيت قيمة مستدامة في عالم دائم التبدل؟

سرد ذاتي

توقعت أن يلقى كتابي “خوارزميات الصحافة الذكية“، صدى واسعاً بين الأوساط الصحفية، وخاصة شباب الجيل الجديد. لكن الواقع فاجأني، وبدا لي أن صناعة الكتب قد دخلت في مرحلة تراجع عميق.

موت المؤلف… ولادة النص المتناسل: يفتح رولان بارت، في مقولته الشهيرة «موت المؤلف»، الباب لفهم جديد للنص في العصر الرقمي. فالنص لم يعد يُقرأ بوصفه امتداداً لذات الكاتب، بل أصبح كائناً حياً يتناسل ويتغير عبر إعادة النشر، التعليق، التعديل، والاقتباس.

من النص اللغوي إلى النص الرقمي: تلفت الناقدة هاديا كلش النظر إلى التحول السينمائي الذي فرضته الثقافة الرقمية، حيث لم يعد النص مجرد كلمات، بل أصبح مزيجاً من صور، رموز، روابط، وتفاعلات. هذا التغير يستوجب تجديد أدوات النقد الأدبي.

الوعي الزمني

في ظل التحديات التي يفرضها زمن السرعة الرقمية، يحتاج المبدع الرقمي إلى وعي زمني حقيقي، والتمييز بين اللحظات التي يجب أن يسرع فيها وتلك التي يحتاج فيها إلى التمهل والعمق. هذا الوعي الزمني هو مفتاح الصمود.

حان الوقت لإعادة تعريف النجاح الإبداعي بعيداً عن معايير عدد المشاهدات والإعجابات، والتركيز على عمق الأثر الذي يتركه العمل في وعي الجمهور.

مؤخراً، ظهرت منصات جديدة تحتفي بما يسمى بالإبداع البطيء، مثل Medium والمجلات الرقمية المتخصصة التي تمنح مساحات رحبة للنص الطويل والدسم.

في زمن يطغى عليه التعجيل والسطحية، يصبح البطء فعل مقاومة، والمبدع الحقيقي هو من يعرف كيف يسبح ضد تيار الزحمة والسرعة، محافظة على عمق رؤاه وإبداعه، ليترك أثراً لا يمحى.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: